إلا أن الانصاف أن ظاهر دليل كل منهما اعتبار الانفساخ بالتلف مستقلا لا أن دليل التلف قبل القبض يتكفل اعتبار الانفساخ حدوثا، ودليل التلف قبل انقضاء الخيار يتكفل اعتبار الانفساخ بقاء، بحيث يحكيان عن اعتبار واحد مستمر، غاية الأمر أن أحدهما ناظر إلى حدوثه والآخر إلى بقائه، بل الحق أن كلا منهما متكفل لهذا الاعتبار بنفسه ولو لم يكن موجب آخر ثبوتا أو اثباتا، وإذا كان الحكم في زمان الخيار على فرض وجوده واقعا غير الحكم السابق شخصا لا نوعا فلا محالة لا شك في البقاء هذا.
ثم إنه بناء على صحة هذا الاستصحاب لا مجال لمعارضته بأصالة عدم الانفساخ، فإنه إن أريد منه عدم انفساخ العقد فعلا قبل التلف المفروض تحققه فالشك فيه ناش من كون الحكم فيه شرعا هو الانفساخ عند التلف أم لا، فمع فرض اثبات هذا الحكم الكلي تعبدا لا مجال للشك في فعلية الانفساخ، لأن فعلية كل حكم بفعلية موضوعه، وإن أريد عدم اعتبار الانفساخ بالتلف شرعا فالمفروض أن هذا الموضوع كان محكوما بهذا الحكم الكلي وإنما يشك في بقائه، ومما ذكرنا يتضح اندفاع كثير من الايرادات التي أوردها بعض أجلة المحشين (رحمه الله) (1) عليه (قدس سره).
ثم إنه ربما يؤيد القول بعدم شمول القاعدة للثمن بما ورد في أخبار البيع الخياري بشرط رد مثل الثمن من التصرف مع بقاء الخيار، وعدم انفساخ العقد بالتصرف في الثمن.
وهو مبني على أن الاتلاف كالتلف موجب للانفساخ، ولا يقولون به، بل مدرك القاعدة ظاهر في التلف دون الاتلاف كما سيأتي (2) إن شاء الله تعالى، وأخبار شرط الخيار لا تدل إلا على التصرف في الثمن فإن إصابة المنفعة من الثمن في ثلاث سنين كما في رواية (3)، والحاجة إلى بيع الدار المساوقة للحاجة إلى الانتفاع بثمنها كما في رواية (4) أخرى مقابل للتلف ومساوق للتصرف.