رابعا: شغلت بمرضها الذي ألزمها الفراش عن أي مشاركة في أي شأن من الشؤون، فضلا عن لقاء خليفة المسلمين، المشغول لكل لحظه من لحظاته بشؤون الأمة وحروب الردة وغيرها.
خامسا: لقد كانت تعلم بقرب لحوقها بأبيها، ومن كان في مثل علمها، لا يخطر بباله أمور الدنيا. وقد قال قوم إنما كان هجرها انقباضا عن لقائه، وليس من الهجران المحرم، وإنما المحرم من ذلك أن يلتقيا فلا يسلم أحدهما على صاحبه. لكن هذا لا يستساغ منها وهي من هي في حرصها على تعاليم الاسلام وسنة أبيها ووصيته ورضاه. ثم هل يتصور من فاطمة عليها السلام أن تهجر حتى ذلك الهجر المباح في تقديرهم أحب خلق الله إلى رسول الله وأقربهم إليه، وهي تعلم يقينا أن من وصاياه أن يحسن المرء إلى صحابة أبيه؟ وحمل ما ورد في الحديث من لفظ الهجر بالانقباض إنما هو مجرد تكلف لا مبرر له. وأما ما أورده صاحب العمدة نقلا عن كتاب الخمس لأبي حفص بن شاهين عن الشعبي: أن أبا بكر قال لفاطمة: " يا بنت رسول الله (ص) ما خير عيش حياة أعيشها وأنت علي ساخطة؟ فإن كان عندك من رسول الله في ذلك عهد فأنت الصادقة المصدقة المأمونة على ما قلت. قال: فما قام أبو بكر إلا رضيت ورضي ". فهذا الخبر على فرض صحته وهو ليس كذلك فيمكن حمله على أن الصديق بسبب مزيد حرصه على رضا فاطمة ومودتها وملاحظته حزنها، أراد أن يزيل من نفسها ما علق بها حول تركه رسول الله (ص) فيكون قوله: أنت علي ساخطة من باب المعاتبة والوداد لا من باب تقرير الواقع. ويؤيد هذا التوجيه ما جاء في آخر الخبر المذكور من قوله: " فرضيت ورضي ". والمعلوم أن أبا بكر لم يغضب عليها ولم يقل ذلك