تعالى هو الناصب للدليل والباعث على النظر فيه وكذا هو الناصب لأمارة الظن فلما كان سبب الغم منه تعالى كان العوض عليه، وأما الغم الحاصل من العبد نفسه من غير سبب منه تعالى نحو أن يبحث العبد فيعتقد جهلا نزول ضرر به أو فوات منفعة فإنه لا عوض فيه عليه تعالى، ولو فعل به تعالى فعلا لو شعر به لاغتم نحو أن يهلك له مالا وهو لا يشعر به إلى أن يموت فإنه لا يستحق العوض عليه تعالى لأنه إذا لم يشعر به لم يغتم به.
الرابع: أمر الله تعالى عباده بإيلام الحيوان أو أباحه سواء كان الأمر للايجاب كالذبح في الهدي والكفارة والنذر أو للندب كالضحايا، فإن العوض في ذلك كله على الله تعالى لاستلزام الأمر والإباحة الحسن والألم أنما يحسن إذا اشتمل على المنافع العظيمة البالغة في العظم حدا يحسن الألم لأجله.
الخامس: تمكين غير العاقل مثل سباع الوحش وسباع الطير والهوام، وقد اختلف أهل العدل هنا على أربعة أقوال: فذهب بعضهم إلى أن العوض على الله تعالى مطلقا ويعزى هذا القول إلى أبي علي الجبائي. وقال آخرون: إن العوض على فاعل الألم وهو قول يحكي عن أبي علي أيضا (1). وقال آخرون: لا عوض هنا على الله تعالى ولا على الحيوان. وقال قاضي القضاة: إن كان الحيوان ملجأ إلى الإيلام كان العوض عليه تعالى وإن لم يكن ملجأ كان العوض على الحيوان نفسه.
احتج الأولون بأنه تعالى مكنه وجعل فيه ميلا شديدا إلى الإيلام مع إمكان عدم الميل ولم يجعل له عقلا يميز به حسن الألم من قبحه ولم يزجره بشئ من أسباب الزجر مع إمكان ذلك كله، فكان ذلك بمنزلة الإغراء فلولا تكفله تعالى بالعوض لقبح منه ذلك.