أقول: لما ذكر حسن الألم المبتدأ مع تعقبه بالعوض الزائد وجب عليه البحث عن العوض وأحكامه وبدأ بتحديده، فالنفع جنس للمتفضل به وللمستحق وقيد المستحق فصل يميزه عن النفع المتفضل به وقيد الخلو عن التعظيم والاجلال يخرج به الثواب.
قال: ويستحق عليه تعالى بإنزال الآلام وتفويت المنافع لمصلحة الغير وإنزال الغموم سواء استندت إلى علم ضروري أو مكتسب أو ظن لا ما تستند إلى فعل العبد وأمر عباده بالمضار أو إباحته وتمكين غير العاقل.
أقول: هذه الوجوه التي يستحق بها العوض على الله تعالى: الأول: إنزال الآلام بالعبد كالمرض وغيره، وقد سبق بيان وجوب العوض به (1) من حيث اشتماله على الظلم لو لم يجب العوض.
الثاني: تفويت المنافع إذا كانت منه تعالى لمصلحة الغير، لأنه لا فرق بين تفويت المنافع وإنزال المضار، فلو أمات الله تعالى ابنا لزيد وكان في معلومه تعالى أنه لو عاش لانتفع به زيد لاستحق عليه تعالى العوض عما فاته من منافع ولده، ولو كان في معلومه تعالى عدم انتفاعه به لأنه يموت قبل الانتفاع به لم يستحق به عوضا لعدم تفويته المنفعة منه تعالى. وكذلك لو أهلك ماله استحق العوض بذلك سواء شعر بهلاك ماله أو لم يشعر، لأن تفويت المنفعة كإنزال الألم ولو آلمه ولم يشعر به لاستحق العوض، فكذا إذا فوت عليه منفعة لم يشعر بها، وعندي في هذا الوجه نظر.
الثالث: إنزال الغموم بأن يفعل الله تعالى أسباب الغم، لأن الغم يجري مجرى الضرر في العقل سواء كان الغم علما ضروريا بنزول مصيبة أو وصول ألم، أو كان ظنا بأن يغتم عند أمارة لوصول مضرة أو فوات منفعة، أو كان علما مكتسبا لأن الله