أقول: هذا مذهب أبي الحسين البصري فإنه جوز أن تقع الأمراض (1) في الكفار والفساق عقابا للكافر والفاسق، لأنه ألم واصل إلى المستحق فأمكن أن يكون عقابا ويكون تعجيله قد اشتمل على مصلحة لبعض المكلفين كما في الحدود. ومنع قاضي القضاة من ذلك وجزم بكون أمراضهم محنا لا عقوبات لأنه يجب عليهم الرضا والصبر عليها والتسليم وترك الجزع ولا يلزمهم ذلك في العقاب.
والجواب المنع من عدم اللزوم في العقاب لأن الرضا يطلق على معنيين:
أحدهما: الاعتقاد لحسن الفعل وهو مشترك بين العقاب والمحنة، والثاني: موافقة الفعل للشهوة وهذا غير مقدور للعبد (2) فلا يجب في المحنة ولا في العقاب، وإذا كان الرضا بالمعنى الأول واجبا في العقاب فكذلك الصبر على ذلك الاعتقاد واجب بأن لا يظهر خلاف الرضا وهو الجزع، ويجب أيضا التسليم بأن يعتقد أنه لو تمكن من دفع المرض الذي هو مصلحة له لا يدفعه ولا يمتنع منه.
قال: ولا يكفي اللطف في ألم المكلف في الحسن.
أقول: هذا مذهب الشيخين وقاضي القضاة، وجوز بعض المشايخ إدخال الألم على المكلف إذا اشتمل على اللطف والاعتبار وإن لم يحصل في مقابلته عوض، لأن الألم كما يحسن لنفع يقابله فكذا يحسن لما يؤدي إليه الألم، ولهذا حسن منا تحمل مشاق السفر لربح يقابل السلعة ولا يقابل مشاق السفر، ولما كان مشاق السفر علة في حصول الربح المقابل للسلعة فكذا الألم الذي هو لطف لولاه لما حصل الثواب المقابل للطاعة فحسن فعله وإن خلى عن العوض لأدائه إلى النفع.
وحجة الأوائل أن الألم غير المستحق لولا اشتماله على النفع أو دفع الضرر كان قبيحا والطاعة المفعولة لأجل الألم ليست بنفع والثواب المستحق عليها يقابل