إذ لا فرق في العقل بين إيصال النفع ودفع الضرر في الإيثار، فإذا خفف عقابه وكانت آلامه عظيمة علم أن آلامه بعد إسقاط ذلك القدر من العقاب أشد ولا يظهر له أنه كان في راحة، أو نقول: إنه تعالى ينقص من آلامه ما يستحقه من أعواضه متفرقا على الأوقات بحيث لا يظهر له الخفة من قبل.
قال: ولا يجب دوامه لحسن الزائد بما يختار معه الألم وإن كان منقطعا ولا يجب حصوله في الدنيا لاحتمال مصلحة التأخير، والألم على القطع ممنوع مع أنه غير محل النزاع.
أقول: لما ذكر وجوب العوض شرع في بيان أحكامه، وقد اختلف الشيخان هنا فقال أبو علي الجبائي: إنه يجب دوامه. وقال أبو هاشم: لا يجب، واختاره المصنف رحمه الله، والدليل عليه أن العوض أنما حسن لاشتماله على النفع الزائد على الألم أضعافا يختار معه المولم ألمه، ومثل هذا يتحقق في المنقطع فكان وجه الحسن فيه ثابتا فلا تجب إدامته.
وقد احتج أبو علي بوجهين أشار المصنف إلى الجواب عنهما: الأول: أنه لو كان العوض منقطعا لوجب إيصاله في الدنيا، لأن تأخير الواجب بعد وجوبه وانتفاء الموانع منع للواجب، وإنما قلنا بانتفاء الموانع لأن المانع هو الدوام مع انقطاع الحياة المانع من دوامه. (والجواب) لا نسلم أن المانع من تقدمه في الدنيا إنما هو انقطاع الحياة لجواز أن يكون في تأخيره مصلحة خفية.
الثاني: لو كان العوض منقطعا لزم دوامه والتالي لا يجامع المقدم، بيان الملازمة أنه بانقطاعه يتألم صاحب العوض والألم يستلزم العوض فيلزم من انقطاعه دوامه.
والجواب من وجهين: الأول: يجوز انقطاعه من غير أن يشعر صاحبه بانقطاعه إما لإيصاله إليه على التدريج في الأوقات بحيث لا يشعر بانتفائه لكثرة غيره من منافعه، أو بأن يجعله ساهيا ثم يقطعه فلا يتألم حينئذ. الثاني: أنه غير