البحث الثالث: في علة الحسن، اختلف القائلون بحسن بعض الألم في وجه الحسن، فقال أهل التناسخ: إن علة الحسن هي الاستحقاق لا غير لأن النفوس البشرية إذا كانت في أبدان قبل هذه الأبدان وفعلت ذنوبا استحقت الألم عليها، وهذا أيضا قول البكرية. وقالت المعتزلة: إنه يحسن عند شروط: أحدها: أن يكون مستحقا، وثانيها: أن يكون فيها نفع عظيم يوفى عليها، وثالثها: أن يكون فيها دفع ضرر أعظم منها، ورابعها: أن يكون مفعولا على مجرى العادة كما يفعله الله تعالى بالحي إذا ألقيناه في النار، وخامسها: أن يكون مفعولا على سبيل الدفع عن النفس كما إذا آلمنا (1) من يقصد قتلنا، لأنا متى علمنا اشتمال الألم على أحد هذه الوجوه حكمنا بحسنه قطعا.
قال: ولا بد في المشتمل على النفع من اللطف.
أقول: هذا شرط لحسن الألم المبتدأ الذي يفعله الله تعالى لاشتماله على نفع المتألم وهو كونه مشتملا على اللطف إما للمتألم أو لغيره، لأن خلو الألم عن النفع الزائد الذي يختار المولم معه الألم يستلزم الظلم وخلوه عن اللطف يستلزم العبث وهما قبيحان فلا بد من هذين الاعتبارين في هذا النوع من الألم، وهنا اختلف الشيخان فقال أبو علي: إن علة قبح الألم كونه ظلما لا غير فلم يشترط هذا الشرط. وقال أبو هاشم: إنه يقبح لكونه ظلما أو لكونه عبثا فأوجب في الأمراض التي يفعلها الله تعالى في الصبيان مع الأعواض الزائدة اشتمالها على اللطف لمكلف آخر، ولهذا يقبح منا تخليص الغريق بشرط كسر يده واستيجار من ينزح ماء البئر ويقذفه فيها لغير غرض مع توفية الأجرة، ويمكن الجواب هنا لأبي علي بما ذكرناه في كتاب نهاية المرام (2).
قال: ويجوز في المستحق كونه عقابا.