منزلة من جرح غيره ثم داراه طلبا للدواء (1) وكما أن ذلك قبيح فكذا التكليف.
الثاني: أن التكليف طلبا للنفع يتنزل منزلة المعاوضات كالبيوع والإجارات وغيرها، ولا شك أن المعاوضات تفتقر إلى رضا المتعاوضين حتى أن من عاوض بغير إذن صاحبه فعل قبيحا والتكليف عندكم لا يشترط فيه رضا المكلف.
الثالث: لم لا يجوز أن يكون التكليف شكرا للنعم السابقة؟
والجواب عن الأول بالفرق من وجهين: أحدهما: أن الجرح مضرة والتكليف نفسه ليس بمضرة وإنما المشقة في الأفعال التي يتناولها التكليف. الثاني: أن الجرح والتداوي إنزال مضرة لا غرض فيه إلا التخلص من تلك المضرة بخلاف التكليف.
وعن الثاني أن المراضاة تعتبر في المعاوضات لاختلاف أغراض الناس في التعامل جنسا ووصفا، أما إذا لم يكن هناك معاوضة وبلغ النفع حدا يكون غاية ما يطلبه العقلاء لم يختلف العقلاء في اختيار المشقة بسببه حتى أن العقلاء يسفهون الممتنع منه.
وعن الثالث أن الشكر لا يشترط فيه المشقة، والله تعالى قادر على إزالة صفة المشقة عن هذه الأفعال، فلو كان التكليف شكرا لزم العبث في صفة المشقة ولأن طلب الفعل الشاق شكرا يخرج النعمة عن كونها نعمة.
قال: ولأن النوع محتاج إلى التعاضد المستلزم للسنة النافع استعمالها في الرياضة وإدامة النظر في الأمور العالية، وتذكر الإنذارات المستلزمة لإقامة العدل مع زيادة الأجر والثواب.
أقول: لما ذكر المصنف رحمه الله حسن التكليف على رأي المتكلمين شرع في طريق الاسلاميين من الفلاسفة فبدأ بذكر الحاجة إلى التكليف، ثم ذكر منافعه الدنيوية والأخروية، وتحقيقه أن نقول: إن الله خلق الانسان مدنيا بالطبع (2) لا