وقولنا: لغة وعرفا، وفي اصطلاح خاص، كلها أحوال عما وضعت له - الكلمة وقيود له، لا عن الكلمة مطلقا، أو باعتبار استعمالاتها بحيث ترجع القيود إلى الاستعمال، لأن وصف الكلمة بكونها حقيقة لغوية، أو عرفية، باعتبار استعمالها في معناها، لغة، أو عرفا، من أي مستعمل كان، فإذا استعمل اللغوي الكلمة الموضوعة عرفا في ذلك المعنى العرفي، فهذه حقيقة عرفية لا لغوية، وكذا لو استعمل العرف الكلمة الموضوعة لغة فيه، فإنها حقيقة لغوية، لا عرفية.
ثم إن المراد بالوضع هنا ما يعم التعيني أي الاختصاص والعلقة الحاصلة بين اللفظ والمعنى، سواء كانت مسببة عن وضع وتخصيص، أو من الاستعمالات الآتية إليه، لا معناه الأخص الظاهر منه عند الإطلاق، وهو تخصيص اللفظ بالمعنى، المعبر عنه بالتعييني، لعدم صلاحيته لجعله مقسما بين هذه الأقسام الثلاثة، فإن أكثر الحقائق العرفية لا سيما العامة، إنما هي بسبب غلبة الاستعمالات المجازية الآئلة إلى حصول العلقة الحاصلة بين اللفظ والمعنى، التي يستغنى بها عن القرينة، وقل المرتجل منها غاية القلة.
وكيف كان، فالأقسام الثلاثة متباينة لا يصدق أحدها على الآخر بوجه.
وما ترى من قولهم في مسألة تعارض العرف واللغة: إنه إذا اتحد العرف واللغة، فالحكم كذا، وإذا اختلف فكذا، لا يعنون به صدق أحدهما على الآخر، بحيث يصدق في لفظ أنه حقيقة لغة وعرفا، بل المراد أنه إذا ثبت للفظ معنى لغة، ولم يحدث في العرف له معنى جديد، فالحكم حمل اللفظ على المعنى اللغوي المعلوم له، وهذا هو معنى الاتحاد مسامحة.
ولقد أحسن وأجاد من عرفها - أي الأقسام الثلاثة - بأنها إما مستعملة في معناها لغة، فهي حقيقة لغوية، أولا، وعلى الثاني، فهي إما مستعملة في معناها في العرف العام، فهي العرفية العامة، أولا، بأن تكون مستعملة في معناها في اصطلاح خاص، فهي عرفية خاصة، فانه (قدس سره) قد عرفها بعبارة أوجز مما ذكرنا، مع اشتمالها على إشارة إلى التقسيم الدائر بين النفي والإثبات، وهو من أحسن التقسيمات، وأصرح دلالة على ما ذكرنا، من أن النسبة بين الأقسام الثلاثة إنما هي التباين الكلي.
وكيف كان فهو (قدس سره) أفاد التعريف، والتقسيم بعبارة واحدة أوجز مما