أحدهما: كون وجود الشيء مستلزما لعدمه، وهذا الإطلاق شائع عند الفقهاء.
وثانيهما: كون الشيء متوقفا على ما يتوقف على ذلك الشيء، وهذا الإطلاق شائع عند الأصوليين، وقد يطلق عند الأصوليين على لازم هذا المعنى من توقف الشيء على نفسه، أو تقدمه على نفسه.
إذا عرفت هذا فنقول: إن مراد العضدي بالدور ليس المعنى الأصلي، ولا الاصطلاحي عند الفقهاء قطعا، بل هو إما خصوص الإطلاق الثاني، وهو مصطلح الأصوليين، أو لازمه.
فعلى الأول يصح قوله: بأن الدور مصرح في علامة الحقيقة، لعدم الواسطة فيه أصلا بهذا المعنى، فإن توقف معرفة عدم صحة سلب بعض المعاني الحقيقية على معرفة عدم كون مورد الاستعمال مجازا بلا واسطة، والمفروض توقف معرفة كونه مجازا على معرفة عدم صحة سلب بعض المعاني، لأنه علامة له، أي لكونه معنى مجازيا فيتوقف عدم صحة سلب بعض المعاني على معرفة المجاز، التي تتوقف على معرفة عدم صحة السلب بلا واسطة.
لكنه يرد الإشكال في الالتزام بكون علامة المجاز دورا بواسطتين، إذ على هذا التقدير تنحصر الواسطة في واحدة، لأن المتوقف على ما يتوقف هو عليه إنما هو معرفة صحة سلب جميع المعاني الحقيقية عن المعنى المبحوث عنه، وهذه وإن كانت متوقفة على معرفة أن ذلك المعنى ليس من المعاني الحقيقية، لكن معرفة أن هذا ليس منها لا تتوقف على معرفة كونه معنى مجازيا، بل لازمة لها، بمعنى أنهما - أي معرفة كونه معنى مجازيا ومعرفة أنه ليس من المعاني الحقيقية - مفهومان متغايران بحسب المفهوم، ومتحدان بحسب المصداق، بحيث لا ينفك أحدهما عن الآخر، فيكون كل منهما مستلزما للآخر، لا متوقفا عليه، بحيث لو فرض إمكان انفكاكهما بحسب المصداق أيضا، لم يلزم دور أصلا، وإنما لزم ذلك لأجل أن توقف - معرفة صحة سلب جميع المعاني على معرفة عدم كون المعنى المبحوث عنه منها - عين توقفه على معرفة كونه مجازا، لعدم إمكان الانفكاك بينهما، لكونهما متساويين في الصدق فإذا صدق الأول صدق الثاني.
فالحاصل: أن معرفة صحة سلب جميع المعاني الحقيقية متحدة مصداقا مع معرفة كون المعنى المبحوث عنه مجازا، لا متوقفة عليها، حتى يلزم واسطة أخرى غير توقفها على معرفة أنه ليس من المعاني الحقيقية، فتنحصر الواسطة، وهي