طاروا صبرا [فصبرت] على طول المحنة، وانقضاء المدة، فمال رجل لضغنه، وصغى آخر لصهره، مع هن وهن، إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه، واسرع معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع، إلى أن [انتكث عليه فتله، و] ثوت به بطنته، وأجهز عليه عمله، فما راعني من الناس إلا وهم رسل إلي كعرف الضبع، يسألونني أن أبايعهم وانثالوا علي [من كل جانب]، حتى لقد وطيء الحسنان، وشق عطفاي [مجتمعين حولي كربيضة الغنم] فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة، ومرقت أخرى، وقسط آخرون، كأنهم لم يسمعوا الله تعالى يقول: ﴿تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين﴾ (1) بل والله لقد سمعوها ووعوها، ولكن حليت دنياهم في أعينهم، وراقهم زبرجها.
أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر، ولزوم الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على أولياء الأمر أن لا يقروا علي كظة ظالم، ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفوا دنياهم أزهد عندي من عفطة عنز.
قال: فقام إليه رجل من أهل السواد فناوله كتابا، فقطع كلامه.
قال ابن عباس: فما أسفت على شيء ولا تفجعت كتفجعي على ما فاتني من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) (2).
فلما فرغ من قراءة الكتاب، قلت: يا أمير المؤمنين، لو اطردت مقالتك من حيث انتهيت إليها:
فقال: هيهات هيهات! كانت شقشقة هدرت ثم قرت.