وما كان تهويل أبي هريرة هذا إلا ليتقرب بذلك إلى العلاء ليجعله من كبار قواد المسلمين، ثم ليثبت لنفسه أنه كان في هذه الوقعة من أبطال المحاربين.
من هذا كله يتبين بما لا شك فيه أن أبا هريرة قد ظل بالبحرين من يوم أن بعثه النبي مع العلاء في سنة 8 ه ولم يعد إلى المدينة لا في عهد النبي صلى الله عليه وآله ولا في عهد أبى بكر، وهذا ينافي قطعا ما زعمه هو من أنه كان مع أبي بكر في حجته سنة 9 ه، ويثبت ما قلناه ثبوتا قاطعا لا ريب فيه أن مدة صحبته للنبي صلى الله عليه وآله كانت من شهر صفر سنة 7 ه إلى ذي القعدة سنة 8 ه لا كما هو مشهور لدى الجمهور من أنه صاحب النبي ثلاث سنين! أخذا بروايته هو!
ولا بد لنا - لكي نمتلخ عروق الشك فيما أدى إليه بحثنا الذي لم يصل إليه أحد من قبلنا - من أن نقول إن أبا هريرة لم يصاحب النبي صلى الله عليه وآله غير عام وتسعة أشهر، لان المشهور أنه صاحب النبي ثلاث سنين - ورفعها بعضهم إلى أربع!
وأول شئ نعرض له في صدر بحثنا هو ما ذكره بعض المؤرخين من أن أبا هريرة عاد مع العلاء إلى المدينة في حياة النبي بعد أن أقصاه إلى البحرين، حتى لا يتشبث بهذا الخبر أحد من الذين يصدقون بكل ما ينشر في الكتب بغير أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن حقيقته فنقول:
إن هذا الخبر الذي شذ به بعضهم لم يذكره أحد من كبار المؤرخين، ولا أتى به راو من ثقات المحدثين، ولو أنه كان صحيحا لجاءوا به ولكان مشهورا بينهم، ومن أجل ذلك تراه متهافتا يحمل في طياته برهان بطلانه، وعلة كذبه، وقد أرسله (واضعه) بغير زمام، فلم يسنده بدليل ثابت، أو يؤيده بسند صحيح، وكذلك لم يبين فيه هل كان ذلك بأمر النبي، كما أمر بإبعاده، أو أن العلاء الذي حمله إلى البحرين قد رده لأمر أتاه؟ أو أن أبا هريرة قد عافت نفسه الحياة في البحرين واستوخم مناخها فانقلب عنها! أو أنه قد مل عمل التأذين فعاد إلى النبي ليعهد إليه بأمر آخر؟ كل ذلك لم يتبين! وكل ذلك مجهول لا يعرف.