هذا الكتاب أقدم كتابا ما عرفت صاحبه من قبل، وإذا كان جهل مثله خمولا في الاطلاع وقصورا في النشاط، فإني أحمد لعدوه أن زكاه عندي وهو يبالغ بتجريحه والعدوان عليه.
ولقد عرفته أول مرة في كتاب (السنة) للدكتور السباعي، إذ استهدفه هذا بنقد عاطفي دلني على القيمة في (أبو رية) وفى (أضوائه) الصافية، الامر الذي أتاح لي شرف الدفاع عن الحقيقة فيه وفى كتابه المذكور دون معرفة به، ولا إلمام بكتابه.
وعرفته بعد ذلك من خلال (أضوائه) فعرفت عالما متبحرا يلين بيده الموضوع الصعب، ويرتفع بناؤه منهجيا، يوازن شكله محتواه وينهض به، وفى الحق أنه من أنفس ما أنتجته الدراسات الاسلامية الحديثة، وأهداها في فن الوصول إلى الحقيقة.
ولا يقل (شيخ المضيرة) الكتاب الذي نقدمه عن كتاب (الأضواء) بل هو فلذة منه تناولها المؤلف بالتحسين، وخصها برعاية أبرزتها عملا مستقلا ذا عطاء يغنى محصول (الاحياء) المعتبر اليوم أحد مصادر تقدمنا الأساسية.
وقد أوضحنا غير مرة أن تجديد الأبحاث القديمة شئ، ونبش الضغائن شئ آخر، وأن التناول الموضوعي هو القياس في التمييز بينهما، ولا حاجة للتأكيد أن أولهما نافع، وثانيهما ضار، ولكن ما يجب التحذير منه هو الخلط بينهما، فالخلط خبط يثير الحفائظ وينتج الفتن، ولا ينفع إلا الأعداء.
أقول هذا وأشير إلى العلامة مؤلف هذا الكتاب، الناهض شاهدا من عشرات الشواهد على نتائج الخلط المشار إليه، أفليس من أغرب ما يسمعه المرء