وإني أطمئنه وشيوخه معه وأقول لهم: إن التهم التي صوبت إلى أبي هريرة على مد التاريخ كله من عهد الصحابة إلى اليوم، ليست شبهات وإنما هي حقائق ثابتة ثبوت الجبال، لا تزول ولن تزول، بل ستظل وتكثر يوما بعد يوم كلما ازداد العقل نضجا، والعلم تقدما، وسيلبث رهينا في قفص الاتهام مكبلا لا يخرج منه ولا يفرج عنه، ما دام الحديث النبوي يدرس في الأرض، ولو خرج في تبرئته والدفاع عنه كل يوم بما اتهم به ألف كتاب مثل كتابه.
خاتمة تذروها الرياح:
أنهى العجاج كتابه (بخاتمة) أجمل فيها ما فصله فيه من خرافات ومفتريات ومن فروض ومناقضات، ثم زادها بمحسنات (ورتوش) من نعوت وشمائل من عنده، لكي يبدع منه شخصا آخر غير شخص أبي هريرة ويبدي له صورة رائعة لم يظفر بمثلها أحد غيره، حتى لقد بلغ من إعلاء شأنه أن صيره وحده من دون الصحابة جميعا (راوية الاسلام!) وجعل هذه الصورة الفخمة عنوانا لكتابه.
ألا فليرح العجاج نفسه وشيوخه معه وليعلموا أن كل جهد أو عناء في هذا السبيل مهما كان مصدره فإنه سيذهب هباء، والتاريخ الثابت الصحيح لا يتأثر بمثل هذه الترهات، ولا يغير منه أن يغطى عليه مثل هذه التلفيقات، وليستيقنوا جميعا أن أبا هريرة هو هو بأصباره وأعماله التي سجلها له التاريخ على صفحاته، وسيبقى إلى ما شاء الله على صورته الصحيحة التي لا تزوير فيها ولا تلفيق.
هذه الالمامة الوجيزة كتبناها على كره منا، إذ خرجنا بكتابتها عن السنن الذي اتخذناه لأنفسنا تلقاء من ينتقدوننا، وكان ذلك بعد أن بلونا أسلوبهم في النقد فوجدناه غير قائم على أصول النقد العلمي الحديث الذي يفيد العلم والعلماء، وإنما يبنى على السباب والشتائم، فرأينا من الخير أن ننصرف عن مناقشتهم وأن نعرض عن الرد عليهم، واستمساكا بهذه السنة لم نلتفت إلى كل ما ظهر من كتب في نقد كتبنا غير كتاب العجاج هذا، فقد كتبنا هذه الالمامة فيه للضرورة