ولعلنا نكون قد وفقنا في بحثنا هذا، وكشفنا عما يقصده النبي صلى الله عليه وآله من إقصاء أبو؟ هريرة إلى البحرين - ومن يماري في ذلك فليأتنا بسبب آخر على أن يكون صحيحا معقولا فنتبعه!
وإذا كان النبي (صلوات الله عليه) لم يفصح عن قصده في هذا الامر تصريحا، فإنه قد ترك لمن خلفه من ذوي الألباب أن يفهموه تلميحا.
وإن من حكمته صلوات الله عليه أن يدع مثل هذا الامر بغير أن يكشف عن سببه، لأنه يأبى بسمو أدبه، وعظيم خلقه، أن يؤذى أحدا عرف أنه من أصحابه، مهما يكن من أمره، حتى لا يظل على مد الزمن كله. موضع ازدراء الناس وتحقيرهم، وويل لمن يصيبه مثل ذلك!
سيرته في ولايته علمت مما سقناه إليك من قبل، أن أبا هريرة بعد أن قضى في الصفة ما قضى بعثه النبي فيمن بعثهم مع العلاء بن الحضرمي إلى البحرين، وكان ذلك في شهر ذي القعدة سنة 8 ه وأن العلاء قد سأله عما يستطيع عمله في البحرين فرغب في أن يكون (مؤذنا له).
ونذكر هنا أن عمر قد ولاه على البحرين سنة 20 ه (1) كما روى الطبري وبعد ذلك بلغ عمر عنه أشياء تخل بأمانة الوالي فعزله وولى مكانه عثمان بن أبي العاص الثقفي - ولما عاد وجد معه لبيت المال أربعمائة ألف (2) فقال له:
أظلمت أحدا؟ فقال لا. قال: فما جئت لنفسك؟ قال: عشرين ألفا. قال:
من أين أصبتها؟ قال كنت أتجر (3). قال: انظر رأس مالك ورزقك فخذه،