سبب إقصاء أبي هريرة عن المدينة ذكرنا من قبل نبأ إقصاء أبي هريرة عن المدينة إلى البحرين ولم نبين سبب هذا الاقصاء الذي لم يصب غيره من الصحابة جميعا - وقد رأينا أن نقدم كلمة في هذا الامر الذي يجب أن يطيل الباحث نظره فيه.
لم يبين النبي صلوات الله عليه السبب الذي من أجله أبعد أبا هريرة عن المدينة، إلى البحرين، ولم يعرف الناس ما هي العلة في أن ينتهى أمر هذا الرجل الذي قدم من بلاده ليخدم النبي على ملء بطنه، إلى هذا المصير الذي لم ينته إليه أحد غيره من الصحابة جميعا، ومما لا خلاف عليه أن النبي لا يصدر منه شئ عبثا، بل كل أعماله إنما يأتيها لحكمة بالغة، ظاهرة كانت أو باطنة.
ولو نحن أردنا أن نتوسل بالقرائن التي تعد من الأدلة القوية في القضايا، ونستعرض الأمور بملابساتها، ونظرنا فيما يقضى به العقل والاستنتاج المنطقي، ثم رجعنا - بعد ذلك كله - إلى مفتاح شخصية (أبي هريرة)، الذي حدثناك عنه من قبل (1) والذي نستطيع أن نفتح به كل مغلق من نزعاته النفسية - لعلنا نصل إلى معرفة سبب إقصائه عن المدينة، فإنا بذلك كله يمكنا أن نرد هذا السبب - ونحن مطمئنون - إلى ما بدا من شرهه للطعام، وإيغاله في التطفل على الناس بغير وازع من أدب، ولا رادع من عفة، وأنه لاشباع نهمه كان يقتحم كل سبيل ويركب كل صعب.
وما ظنك برجل يتصدى للصحابة في طرقهم أنى ساروا ملحا عليهم أن يطعموه، وبخاصة الكبار منهم كأبي بكر وعمر ويلاحقهم في سبيلهم حتى تضيق منه صدورهم، فيضجرون منه، ويزورون عنه ويفرون!
هذا هو أبو هريرة وقد كان لأشعبيته لا يدعهم حتى يدخلوا بيوتهم، ويضطروا إلى أن يقفلوا في وجهه أبوابها، هربا منه وتخلصا، كما اعترف