كان لنا ذلك ولكن رأينا من التدبير أن نستزيد شيئا من إظهار فضائح هذا الكتاب الذي يموج بالخرافات والمتناقضات، بله الافتراضات البايخة، والاحتمالات السخيفة - وذلك لكي نعطى القارئ نماذج يقاس عليها مما يحمل الكتاب، ويتنور فيها قيمة هذا الكتاب في عالم التأليف، وأنه لا يساوى المداد الذي كتب به، ومن وراء ذلك يستبين للناس جميعا مبلغ مصنفه - وشيوخه معه - من العلم ومقدار حظهم من العقل والتفكير!
أما ما في سائر الكتاب، مما يستوجب النقد والتفنيد فيدحضه ويقضى عليه ما فصلناه في كتابنا هذا، وسنبدأ كلامنا عن أهم صفة وصفوا أبا هريرة بها، وهي صفة (علمه وفتواه) حتى إذا ما أثبتنا بالبراهين القوية أنه عار عنها، انهارت سائر صفاته التي يتمسكون بها، ويصبح ولا ريب رجلا من عامة الناس لا شأن له ولا قدر، وتبدو شخصيته على حقيقتها بغير تزوير ولا تلفيق.
علم أبي هريرة وفتواه (1):
من متناقضات العجاج التي فضح بها نفسه أنه أورد في كتابه صفحة 90 أن رسول الله بعث أبا هريرة إلى البحرين مع العلاء بن الحضرمي ووصاه به فجعله العلاء (مؤذنا له) وأنه قال للعلاء (لا تسبقني بآمين).
وهذا يدل بداهة وقطعا أن عمل أبي هريرة في البحرين إنما كان (التأذين) فحسب، إذ لم يعهد إليه النبي صلى الله عليه وآله بأي عمل ديني أو غير ديني مما كان يعهد به إلى غيره عندما كان يرسله في أمر من الأمور إلى أي بلد من البلاد، وكان كل ما قاله للعلاء أن أوصاه به، ولما سأله العلاء عما يريد أن يعمله كان جوابه: (اجعلني مؤذنا لك) كان هذا هو عمل أبي هريرة في البحرين باعترافه ولكن العجاج وهو السخي المعطاء لأبي هريرة قد خرق له مما تلقاه أعمالا أخرى غير التأذين.. فقال في صفحة (107) من كتابه:! إن رسول الله قد أرسل أبا هريرة إلى البحرين لينشر الاسلام! ويفقه المسلمين ويعلمهم أمور دينهم "!