2 - حديث الأوعية:
ولما أتم أبو هريرة الفصل الأول من قصته وهو " حديث بسط الثوب " وروجه (1) بين الناس، رأى من التدبير أن يوطئ به إلى ما بعده، فأخرج الفصل الثاني من هذه القصة وهو " حديث الوعاءين " ليقر في أذهان الناس أن النبي لا يفتأ يخصه بالفضل، ويمده بالايثار، وأنه بعد أن أفرده بتلك (النفحة النبوية التي حباه بها فجعله وحده محيطا بكل أحاديثه، قد شاء صلى الله عليه وآله - زيادة في إكرامه أن يصطفيه ليكون مستودع أسراره التي حجبها عن غيره، فأفضى إليه بأحاديث يحفظها في وعائه - وجعل له الخيار في أن يبوح بها أو يكتمها، ولكي يبين خطر هذه الاسرار التي أمر بكتمانها قال: لو بثثت شيئا من هذا الوعاء لقطع هذا البلعوم.
وبدهي أن أبا هريرة لم يأت بهذا الحديث إلا ليثبت - قبل كل شئ - علو قدره، وسمو شأنه بين جميع أصحابه، ثم ليهول به على الناس بعد ذلك، وليجعل منه سلاحا رهيبا في يده، يرغب به ويرهب - وبذلك تلتفت إليه الأنظار، وتشرئب له الأعناق، وتتطاول إليه النفوس.
والناس بطبيعتهم يتشوفون إلى اكتناه الاسرار، ويسعون جهدهم دائما في كشف ما غيب عنهم من الأمور.
ونمهد للكلام عن حديث (الوعاءين) بحديثين رواهما الذهبي وغيره، قد يكشفان شيئا عن سر هذا (الوعاء) المكنون، أو المكتوم.
روى عن ابن المسيب (وهو زوج ابنة أبي هريرة) قال:
كان أبو هريرة إذا أعطاه معاوية سكت! وإذا أمسك عنه تكلم (2)!.
وروى عن محمد بن زياد قال:
كان معاوية يبعث أبا هريرة على المدينة (أي يوليه عليها) فإذا غضب عليه بعث مروان وعزله (3).