بيان واجب حول عنوان الكتاب حدثني صديق كريم قال: إن بعض الناس قد فهم من وضع كلمة (شيخ المضيرة) في عنوان الكتاب إنما كان لغرض بعيد، وهو ازدراء أبي هريرة!
وقد استغربت من أن يذهب مثل هذا الفهم الخاطئ إلى ذهن ذي لب أو علم! وكأن الذي يرمينا بهذه التهمة لم يدرس تاريخ أبي هريرة ولا يعرف من أمره شيئا! ذلك بأن هذا اللقب لم يكن شيئا جديدا ابتدعناه من عند أنفسنا، وإنما هو عريق في القدم مضى عليه أكثر من ثلاثة عشر قرنا، إذ أنه يرجع إلى عهد معاوية بن أبي سفيان الذي كانت هذه المضيرة من أطايب أطعمته فلما نهم أبو هريرة فيها، وأشهر ذلك بين الناس لقبوه بها، ولزمه هذا اللقب من ذلك العهد، وجرى على ألسنة الناس ذكره، ثم دونه المؤرخون وكبار العلماء والكتاب في مؤلفاتهم مثل الزمخشري في ربيع الأبرار وفى أساس البلاغة، وبديع الزمان الهمذاني في مقاماته، إذ عقد له مقامة خاصة سماها (المقامة المضيرية) وشرح الأستاذ الإمام محمد عبده أمرها وأمر شيخها، ومناصرته لمعاوية شرحا لاذعا، وتكلم عنه الثعالبي في كتابه (المضاف والمنسوب) (1) كلاما طويلا، ولا نستوعب كل ما قيل في هذه المضيرة وشيخها فيرجع إلى ذلك في موضعه من هذا الكتاب.
ولو أننا كنا نحن الذين ابتدعنا هذا اللقب في دهرنا، وأفشيناه لكان لهذا الفهم شئ من الاعتبار!
يتبين من ذلك أننا لم يكن لنا قصد سيئ لأبي هريرة ولا نريد أن نتجنى عليه بشئ غير معروف من تاريخه، وإنما الذي دعانا إلى ذلك - أننا بسبيل ترجمته ترجمة مفصلة، ولا يمكن ذلك إلا باستيعاب كل ما يتصل بهذه الترجمة، وأن أول شئ يجب أن يعنى به المؤرخ أن يذكر اسم من يؤرخ له