وقد اختلف العلماء في قبول رواية من عرف بالتدليس، فقال فريق من أهل الحديث والفقهاء: لا تقبل رواية المدلس بحال - سواء بين السماع أو لم يبين، لان التدليس مما يقتضى الجرح.
ومن الحفاظ من جرح من عرف بالتدليس من الرواة فرد روايته مطلقا، وإن أتى بلفظ الاتصال، ولو لم يعرف أنه دلس مرة واحدة - كما نص على ذلك الشافعي رحمه الله (1).
والكلام في هذا الموضوع طويل الذيل لو ذهبنا في استقصائه لخرجنا عن موضوعنا فيرجع إليه في مظانه.
وإذا طبقنا ذلك كله أو بعضه على أبي هريرة رأينا أين يكون مكانه بين الرواة في ميزان الضبط والعدالة! ومبلغ رواياته من الصحة والصدق! ولكن لا يستطيع أحد أن يطبق أي قاعدة على الصحابة. لأنهم جميعا في رأى الجمهور من الخطأ معصومون، ولا يمكن أن يمتد الشك أو الريب إلى ما يروون!
الحديث المرسل:
بعد أن تكلمنا عن التدليس وحكمه، والمدلسين وما قالوه فيهم، نواصل الكلام عن (الحديث المرسل) لأنه متصل بما قبله.
عرفوا الحديث المرسل بأنه: هو الذي سقط منه الصحابي الذي سمع الحديث بأذنيه من النبي صلى الله عليه وآله. هذا هو المشهور، وهو الصحيح أيضا - كما في فتح المغيث للعراقي - وهو رأى الفقهاء والأصوليين، ومما يشهد للتعميم قول ابن القطان: إن الارسال هو رواية الرجل عمن لم يسمع منه (2).
وقال ابن حزم في كتاب الأحكام في أصول الاحكام:
المرسل من الحديث، هو الذي سقط بين أحد رواته وبين النبي صلى الله عليه وآله ناقل واحد فصاعدا وهو (المنقطع) أيضا - وهو غير مقبول، ولا تقوم به حجة، لأنه عن مجهول! وقد قدمنا أن من جهلنا حاله، ففرض علينا التوقف