دولة بنى أمية، وكيف نشأت (1) " إذا وليت أمر المسلمين فاتق الله! ولا تحمل بنى أمية، وبنى أبى معيط على رقاب المسلمين " من وصية عمر بن الخطاب لعثمان بن عفان مما لا ريب فيه أن أبا هريرة قد اتصل بدولة بنى أمية وبنى أبى معيط اتصالا وثيقا، فتشيع لها، وحطب في حبلها، واستظل بظلها، وناصرها ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ومن أجل ذلك ظفر بمكانة عظيمة لديها فغمرته بأعطياتها، وملأوا يديه، من نوالها، وجدير بنا قبل أن نعرض لهذا الاتصال أن نوطئ بصدر من القول نبين فيه حقيقة هذه الدولة وكيف قامت، وماذا كان من أمر زعمائها من النبي من أول يوم قام فيه بدعوته، وقعودهم له كل مرصد، وإمعانهم في أذاه! وشن الحروب عليه، ثم ما كان بعد ذلك من أمر عثمان معهم - وهم قومه - عندما استخلف، من ميله إليهم، ومحاباته إياهم، وإيثارهم بالمنح والعطايا من مال المسلمين بحق وبغير حق، وتمكينهم من حكم الولايات الكبيرة في المملكة الاسلامية لكي يمهد بذلك لقيام دولة لهم، ثم ما فعله معاوية - زعيم الفئة الباغية مع الامام على وبنيه عليه السلام، وقلبه الحكم من شورى عادلة إلى ملك عضوض، وما ارتكبه يزيد بعد ذلك مع الحسين، وما إلى ذلك مما سجله التاريخ الصادق وخلده على صفحاته - وذلك كله في عرض وجيز - حتى إذا ما تجلى أمر هؤلاء القوم وبدت حقيقتهم ناصعة أمكن تعليل ما اتخذوه في حكمهم من ضروب الرغبة والرهبة، والضغط والقهر بالمال مرة، وبالسيف تارة لتأييد دولتهم، وحفظ ملكهم.
(١٥٦)