الحياة في مكة زمن البعثة قضت حكمة الله أن يكون مبعث الرسول محمد صلى الله عليه وآله في البلاد العربية، وأن تكون مكة أول بلد يشرق منه نور الاسلام.
وكان أهل مكة حينئذ يتألفون من طبقات ثلاث، طبقة أرسطقراطية غنية، وهم صناديد قريش، وكانت مكة خالصة لهم، وأخرى متوسطة.
وثالثة فقيرة، وكان يعيش بين هذه الطبقات (الرقيق) الذين لم يكن لهم أي حق في الحياة في الحقوق الانسانية، وإنما كانوا كالانعام أو العروض التجارية، ملكا خالصا لأسيادهم، يسخرونهم في كل ما يريدون، ويتصرفون فيهم كما يشاءون، إن بالهبة، وإن بالبيع، ويعاقبونهم بأنواع العقاب بغير أن يسألهم أحد عما يفعلون.
فلما أمر النبي صلى الله عليه وآله أن ينذر قومه، وأن يدعوهم إلى البر والتقوى والعدل والمساواة، وأنه لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، وتلا عليهم الآية الكريمة (49: 13): " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا. إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير " كبر ذلك على كبار القوم وأغنيائهم، وعز عليهم أن يعلو شأن الفقراء بينهم، وأن يكون لهم، حق معلوم في أموالهم، وأخذوا يحاربون هذه الدعوة بكل ما استطاعوا من قوة فلم يجد النبي مناصا من أن يهاجر من مكة إلى المدينة، بعد ما لقي من أذى قريش وعنتهم ما لقي أكثر من عشر سنين، ولكن قريشا لم تدعه يهدأ في مهجره، بل لاحقوه هناك بعدائهم وبغيهم، وكان أبو سفيان بن حرب أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وآله مما ستعرف نبأه فيما بعد.
ولم يجد النبي (صلوات الله عليه) راحة في المدينة التي هاجر إليها بعد ما أصابه بمكة ما أصابه، فقد كثرت هناك أعداؤه، وزادت فيها أعباؤه، فبعد أن كان في مكة يكيد له قريش وحدهم أصبح في المدينة وقد ظهر له