هذه هي سنة عمر من تولية الولاة فليس غريبا إذن أن يولى عمر أبا هريرة ولاية البحرين. على أن هذه الولاية قد كشفت عن حقيقة أمانة ونزاهة أبي هريرة - وانتشر نبأ ذلك بين الناس وسجله التاريخ فيما يسجل على صفحاته - فقد ظهرت بعد ذلك فرية تقول: إن عمر قد عاد فطلب من أبي هريرة بعد عزله أن يعمل ثانية ولكنه أبى!
وهذه الفرية ظاهرة البطلان ولا يمكن لذي لب أن يقبلها، لأنه لا يمكن لمثل عمر في حزمه وصرامته أن يفعلها. وبخاصة مع مثل أبي هريرة!
ولقد يكون لمثل هذه الفرية وجه من الصحة إذا كان قد ثبتت لعمر براءة أبي هريرة مما رمى به، فقد اتهمه عمر بسرقة مال الله ووصمه بأنه عدو لله (1) وأنه قد رد إليه المال الذي انتزعه منه برغم أنفه! ولكن هذا الامر لم يرد فيه خبر لا صحيح ولا موضوع!
اللهم إلا إذا كان عمر قد انقلب في آخر حياته فأصبح من الحكام الطعاة الظالمين الذين يسلبون أموال الناس بغير حق وينفقونها في سبيل أغراضهم الذاتية، ويستعينون على ذلك بولاتهم - ومن أجل ذلك أراد أن يعيد أن هريرة بعد ما آنس منه الكفاية والمقدرة على ابتزاز أموال الناس ليستأنف نشاطه ويأتي لعمر بما يريد من أموال الناس ثم أبى ورع أبي هريرة أن يقع في هذا الفخ وسلم!
وهذا ما يقضى به منطق هذه الفرية نذكره لذوي الألباب، أما الذين يصدقون كل دعوى أو ادعاء بغير فهم ولا تمحيص فهؤلاء ندعهم لعقولهم.
ولا كلام لنا معهم!
وقفة قصيرة مع عمر:
مما يدعو إلى الملاحظة هنا أننا لم نجد عمر رضي الله عنه قد اتبع هذه السنة مع معاوية بن أبي سفيان، فقد أبقاه عاملا على دمشق سنين طويلة ولم يزعجه بالعزل كغيره - وكان ذلك مما أعان معاوية على طغيانه، وأن يحكم حكما قيصريا طوال أيامه، وبخاصة بعد أن استولى على الشام كله في عهد عثمان، ثم امتد