ما كان من يزيد:
ثم الذي كان من يزيد ابنه ومن عماله وأهل نصرته، ثم غزو مكة ورمى الكعبة واستباحة المدينة، وقتل الحسين عليه السلام في أكثر أهل بيته، مصابيح الظلام، وأوتاد الاسلام، بعد الذي أعطى من نفسه، من تفريق أتباعه، والرجوع إلى داره وحرمه، أو الذهاب في الأرض حتى لا يحس به، أو المقام حيث أمر به (1)، فأبوا ألا قتله والنزول على حكمهم. إلى أن قال الجاحظ:
كيف نصنع بنقر القضيب بين ثنيتي الحسين عليه السلام، وحمل بنات رسول الله حواسر على الأقتاب العارية، والإبل الصعاب، والكشف عن عورة على ابن الحسين عند الشك في بلوغه، على أنهم إن وجدوه وقد أنبت قتلوه، وإن لم يكن أنبت حملوه، كما يصنع أمير جيش المسلمين بذراري المشركين (2)!
وكيف تقول في قول عبيد الله بن زياد لاخوته وخاصته: دعوني أقتله فإنه بقية هذا النسل، فأحسم به هذا القرن، وأميت به هذا الداء، وأقطع به هذه المادة؟ خبرونا على ما تدل هذه القسوة وهذه الغلظة بعد أن شفوا أنفسهم بقتلهم، ونالوا ما أحبوا فيهم - أتدل على نصب وسوء رأى وحقد وبغضاء ونفاق، وعلى يقين مدخول وإيمان مخروج (3) أم تدل على الاخلاص وحب النبي صلى الله عليه وآله والحفظ له وعلى براءة الساحة وصحة السريرة؟ فإن كان على ما وصفناه لا يعدو الفسق والضلال، وذلك أدنى منازله، فالفاسق ملعون، ومن نهى عن لعن الملعون ملعون، وزعمت نابتة عصرنا، ومبتدعة دهرنا أن سب ولاة السوء فتنة ولعن الجورة بدعة. والنابتة في هذا الوجه أكفر من يزيد وأبيه، وابن زياد وأبيه (4).