تمهيد قبل أن نمضي في الحديث عن تاريخ أبي هريرة، نرى من التدبير أن نقدم بين يدينا صدرا وجيزا من القول عن الدعوة الاسلامية، ومن تصدى لها من أعدائها في أول أمرها، لنمهد به إلى ما نحن بسبيله من غرضنا.
ذلك بأن أبا هريرة هذا الذي نؤرخ له قد عاش بجوار صاحب هذه الدعوة صلوات الله عليه وقتا ما.
وقد اصطلحوا على أن يجعلوا مثله من صحابته - ثم انقلب بعد ذلك فاتصل بمن كانوا أكبر أعداء الدعوة المحمدية وصاحبها من أول ظهورها، فظاهرهم، وسار تحت رايتهم، ونال جزاءه على ذلك من رفدهم ونوالهم كما سنبينه بعد.
بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله بالهدى ودين الحق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ويهديهم بإذنه إلى الصراط المستقيم.
كان يدعو إلى الامر بالمعروف والنهى عن المنكر، ويأمر بالعدل والاحسان وعمل الخير، واجتناب الشر، وما إلى ذلك من الاغراض النبيلة، والمقاصد الجليلة، التي تكفل للانسان السعادة في دنياه وآخرته.
وإذا كان الأساس الأول للدعوة الاسلامية هو عبادة الله وحده وترك الشرك في جميع مظاهره، فإن أهم غرض يرمى إليه الدين بعد ذلك، هو إنصاف أهل الفقر من أهل الغنى، وأن يكون الناس جميعا سواسية في الحقوق الاجتماعية والسياسية.
ومن أجل ذلك كان أول من ثار على هذه الدعوة الأغنياء، ذوو الثراء، وبخاصة بنو أمية وبنو أبى معيط، وهم الذين كانوا مسيطرين على مكة حينئذ، وسنعقد فصلا خاصا لدولتهم وكيف نشأت.
أما الفقراء والمساكين فقد استبشروا بدعوة محمد صلى الله عليه وآله والتفوا حوله، وأيقنوا أنهم بفضل دينه سينالون في الحياة حقهم الذي كتب الله لهم، وأنهم سيعيشون كما يعيش الناس سعداء مطمئنين.