وكذلك لم يتضح: في أي زمن عاد أبو هريرة إلى المدينة حتى تعرف المدة التي قضاها في البحرين فتطرح من مدة صحبته للنبي صلى الله عليه وآله! ولا في أي وقت كان رجوعه إلى البحرين ثانية، وقد ثبت أنه كان هناك مع جيش العلاء الذي حارب المرتدين في عهد أبى بكر - وكان مما زعمه في هذه الحرب أنه خاض الخليج على فرسه! مع العلاء وجيشه، وأيد زعمه هذا بيمين غموس - كعادته - هذا نصه " فوالله ما ابتل لنا قدم ولا خف ولا حافر "؟!
كل ذلك وغيره لم يفصح عنه (واضع الخبر) حتى يكون لخبره وزن، ولكلامه اعتبار!
وعلى فرض صحة الخبر وقولهم: إن أبا هريرة قد ظل بالمدينة مع النبي إلى أن قامت حروب الردة فبعثه أبو بكر فيمن اختارهم ليكونوا في جيش العلاء في حربه، فإنا نذكر أن هذا القول يدفعه ويدحضه ما علم من تاريخ أبي هريرة، - فهو لم يكن من أبطال الحروب ولا فرسان الملاحم، حتى يختاره أبو بكر فيمن اختارهم ليحاربوا مع العلاء! وإنما كان بطبيعته وما جبلت عليه نفسه، لا يصلح لخوض غمرات الحروب وحمل السيوف، لا فارسا (ولا راجلا) بل كان - كما هو مشهور عنه - جبانا رعديدا - على أن هذا القول لم يذكره أحد من الثقات. وسنبين لك فيما بعد مثلا من شجاعته.
وكأن هذا الخبر قد (وضع) لكي يثبتوا به صدق أبي هريرة فيما ادعاه - ورواه عنه البخاري. من أنه صاحب النبي ثلاث سنين. لأنهم ولا يستطيعون أن يشكو فيما يروى اتباعا لقاعدتهم التي ألزموا بها أنفسهم، وهي تصديق كل صحابي في جميع ما يرويه، لأنهم بزعمهم كلهم عدول (1) ولو كان فيه ما فيه!!
على أن هذا الخبر (الموضوع) الذي اجتلب لتأييد أبي هريرة لم يحل المشكلة ولم يغير من وجه الحقيقة شيئا - ذلك أنهم قد أجمعوا على أمرين في تاريخ أبي هريرة، أولهما: أنه أسلم بعد فتح خيبر في سنة 7 ه. وثانيهما أن