لم يظهر أبو هريرة إلا بعد الفتنة:
ذكرنا لك من قبل أن أبا هريرة لم يكن له أي شأن في زمن النبي صلى الله عليه وآله ولا في زمن الخلفاء الأربعة من بعده، وأنه لم يستطع أن يفتح فاه بحديث عن النبي إلا بعد موت عمر، ولم يجرؤ على الفتيا أو يلفظ بكلمة في الدين إلا بعد أن توفى عثمان - أي بعد الفتنة الكبرى كما قرر ذلك كبار المؤرخين، أما إكثاره من التحديث عن رسول الله وإسرافه في ذلك، فلم يكن إلا في عهد بنى أمية بعد أن خلا له الجو، وأصبح من دعاتهم وأنصارهم.
وإليك ما قاله ابن سعد في طبقاته وهو يترجم لعبد الله بن عباس (1):
" كان ابن عباس، وابن عمر، وأبو سعيد الخدري - وأبو هريرة - وعبد الله بن عمرو بن العاص، وجابر بن عبد الله، ورافع بن خديج، وسلمة ابن الأكوع، وأبو واقد الليثي، وعبد الله بن بحينة، مع أشباه لهم من أصحاب رسول الله، يفتون بالمدينة ويحدثون عن رسول الله من لدن توفى عثمان إلى أن توفوا ".
أما قبل ذلك فكان من عامة الصحابة فلم يعرف عنه أنه قام بعمل ديني كما عمل غيره من الصحابة المشهورين، اللهم إلا أنه كان يؤذن للصلاة وهو في البحرين مع العلاء بن الحضرمي كما عرفت (2) وقد ظل يهوى التأذين ويتعشقه ويميل إليه إلى زمن مروان بن الحكم أي بعد سنة 41 ه.
ولا غرابة في أن يلمع نجمه المنطفئ في عهد بنى أمية المظلم، بعد أن اختفت من سمائه كواكب أعلام الصحابة وخيارهم ولم يبق فيه إلا نجوم منطفئة.