هو بذلك ورواه عنه البخاري فيما نقلناه من قبل.
ولم يقف الامر عند ضجر كبار الصحابة ونفورهم بل كان يذهب إلى مكان عزيز من النبي (بين منبره وحجرة عائشة) فيتماوت ويمثل مشهدا تشمئز منه النفوس الأبية، وتنفر منه الطباع الكريمة.
وهذا المشهد كان لا يفتأ يأتيه في هذا المكان العزيز من النبي - إنما كان ولا جرم مما يؤذى النبي، ويبعث في نفسه الأسى - أن يكون بين من ينتمون إليه، ويحسبون عليه، من يبدو أمام الناس كل يوم في هذه الصورة المزرية المشينة!
وما نذكره هنا ليس من عندنا، ولا نفتري عليه به، وإنما هو أمر ثابت لا ريب فيه وذلك باعتراف أبي هريرة نفسه، فقد روى البخاري عنه هذا الحديث " لقد رأيتني وإني لاخر فيما بين منبر رسول الله إلى حجرة عائشة مغشيا على فيجئ الجائي فيضع رجله على عنقي ويرى أنى مجنون! وما بي من جنون! ما بي إلا الجوع (1) ".
ولا ريب في أنهم ما كانوا ليفعلوا ذلك معه إلا استهانة به، وازدراء له، إذ لو كان له حرمة عندهم، أو مكانة لديهم، لأشفقوا عليه وأعانوه ولم يطأوا عنقه!
ولما رأى النبي ذلك كله منه أراد أن يؤدبه بأدبه العالي ويردعه لكي يقلع عن هذه العادة الذميمة فنضع له أول الامر بأن يزور الناس غبا (2) ولكن غلبته نفسه، واستعصت عليه طبيعته، فلم يستمع إلى هذه النصيحة الغالية واتبع هواه، ولما رأى النبي أن هذه النصيحة لم تبلغ منه، عززها بقوله في حديثه الشريف على مسمع منه " والله لان يأخذ أحدكم حبلا فيحتطب علي ظهره فيأكل ويتصدق، خير له من أن يأتي رجلا أغناه الله عزو جل من