وما كان أبو هريرة ليستطيع أن يفتح فاه بكلمة من هذه العبارات النابية التي يخاطب بها عائشة أم المؤمنين، لولا أنه كان حينئذ تحت ظل الحماية الأموية والدولة كلها تؤيده.
على أنه قد ندم بعد ذلك على ما فرط منه في حق السيدة عائشة فانقلب يعمل على إرضائها، والتقرب إليها، لأنه لا يقوى على إغضابها وبخاصة في عهد بنى أمية أو يستهدف بذلك لغضب الدولة كلها.
ذلك أنه ما كاد يسمع نبأ حديث نزول جبريل بصورة عائشة في سرقة من حرير وقال له: هذه امرأتك. وفى رواية للترمذي " في خرقة من حرير خضراء " (1) حتى أسرع أبو هريرة فتبرع بحديث من كيسه يقول فيه:
" إن طول تلك الخرقة ذراعان وعرضها شبر ".
ولا ندري كيف عرف ذلك لكي يرويه وخبر هذه السرقة قد مضى عليه قبل إسلامه حوالي عشر سنين!
ولعله قد جعل هذا الحديث نقطا (2) من عنده للسيدة عائشة ولو جاء هذا النقط بعد سنين طويلة!
قصة حديث من أصبح جنبا:
على أنه لم يلبث أن عاد فاضطر إلى أن يشهد بأنها أعلم منه وأفقه، وأحفظ، وأن المرآة والمكحلة لم يشغلاها عن النبي صلى الله عليه وآله وإنما هو الذي شغله بطنه.
ذلك أنه لما روى حديث " من أصبح جنبا فلا صوم له " أنكرت عليه عائشة هذا الحديث وقالت: " إن رسول الله كان يدركه الفجر وهو جنب من غير احتلام، فيغتسل ويصوم " وبعثت إليه أن لا يحدث بهذا الحديث عن رسول الله، فلم يسعه إزاء ذلك الانذار الصارخ إلا الاذعان والاستخذاء، وقال: