هذا ما كان يظنه عمر في أبي هريرة ويرجوه عندما استعمله على البحرين وما كان عمر ليعلم الغيب، فقد خاب ظنه، ولم يتحقق رجاؤه - إذ ما كاد أبو هريرة يتولى أمر هذه البلاد الغنية بخيراتها حتى غلبته شنشنته، وانطلقت من عقالها مطامعه، فأرصد كل قوته لجمع المال وابتغاء الثراء ما وجد إلى ذلك سبيلا، وأنساه حب المال ذكر عمر وصرامته ودرته، وأنه يقف وراءه بالمرصاد يترقب الصغير والكبير من أعماله.
ولقد كان أول ما انتهى إلى عمر من اخباره، أنه ابتاع أفراسا بألف وستمائة دينار! فهاله ما سمع! ولما استقدمه من البحرين - أتاه يحمل أربعين ألف درهم لبيت المال، وعشرين ألفا لنفسه فدهش عمر كيف يجبى من الناس كل هذه المبالغ الطائلة! ولم يملك إلا أن فاجأ أبا هريرة بقوله: أسرقت مال الله؟ إنك عدو الله وعدو المسلمين!
وعندما سأله عن المال الذي أصابه لنفسه، ومن أين أتى به، أجابه بجواب غريب لا يصدر من وال أمين! إذ قال: كنت أتجر! وكانت لنا أفراس تناتجت (1) فلم يجد عمر من حيلة معه إلا أن يشاطره هذا المال، وكانت هذه سنة عمر في الولاة الذين يخونون الأمانة في ولاياتهم، ولم يكتف بذلك مع أبي هريرة - كما كان يفعل مع غيره، بل أوجع ظهره بدرته حتى أدماه، ثم أخذ يلذعه بموجع القول وقوارص الكلم، مما لا يوجه مثله إلا إلى رجل مهين فقد قال له: هل علمت من حين استعملتك على البحرين، وأنت بلا نعلين!
ولما طلب منه المال الذي استولى عليه من الناس ظلما بغير حق - وأجاب أبو هريرة: لقد احتسبته عند الله! رد عليه عمر هذا الرد الأليم فقال له: ذلك لو أخذته من حلال! أي أن هذا المال كان من المال الحرام!
وقوله له: أجئت من أقصى حجر يجبى الناس لك، لا لله ولا المسلمين!
ما رجعت بك أميمة إلا لرعية الحمر (2).
وماذا بعد أن يرميه بسرقة مال الله أو أنه عدو لله وعدو للمسلمين!