والأوهام واقتلاعها من الأساس، وأتى بدين أساسه العقل السليم والفكر الصحيح. وإنا إذ نذكر ما نذكر، والأسى يملا جوانحنا، لنرجو أن يكون قد آن لعلماء المسلمين المثقفين، أن يمحصوا تاريخهم، ويطهروا دينهم مما شابه من الخرافات، وما غشيه من الترهات، حتى يبدو للناس على نور العلم والعقل، كما أراد الله في أصدق صورة وأروعها.
وإذ انتهينا إلى هنا فإنا نذكر طرفا مما قام به أبو هريرة إلى آل أبي العاص وبنى أمية.
بعض ما قدمه أبو هريرة إلى آل أبي العاص وبنى أمية لم يكن ما قدم أبو هريرة إلى آل أبي العاص عامة، وسائر بنى أمية ومعاوية خاصة، جهادا بسيفه أو بماله، وإنما كان كما قلنا - أحاديث ينشرها بين الناس، يطعن فيها على على رضي الله عنه ويخذل بها أنصاره، ويجعل الناس يتبرأون منه، أو يشيد بفضل عثمان ومعاوية!
ومما رواه في فضل عثمان ما رواه البيهقي عنه: أنه لما دخل دار عثمان وهو محصور استأذن في الكلام، ولما أذن له قال: إني سمعت رسول الله يقول:
إنكم ستلقون بعدي فتنة واختلافا، فقال له قائل من الناس: فمن لنا يا رسول الله؟ أو ما تأمرنا؟ فقال: عليكم بالأمير وأصحابه، وهو يشير إلى عثمان.
أورده أحمد بسند جيد!
ولما نسخ عثمان المصاحف دخل عليه أبو هريرة فقال (1): أصبت ووفقت، أشهد! لسمعت رسول الله يقول: أشد أمتي حبا لي، قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي، ولم يروني - يصدقون بما جاء في الورق المعلق، فقلت: أي ورق؟
حتى رأيت المصاحف! فأعجب ذلك عثمان وأمر لأبي هريرة بعشرة آلاف.