على ثوب غيرها!) فبسطتها بيني وبينه - حتى كأنه أنظر إلى القمل يدب عليها! فحدثني حتى استوعب حديثه قال: اجمعها فصرها إليك فأصبحت لا أسقط حرفا مما حدثني.
وقول أبي هريرة: فبسطت نمرة ليس على ثوب غيرها (1) يقتضى على الظاهر أن تبدو سوأته - وقد تأول القسطلاني وزكريا الأنصاري كلامه فحملاه على أنه بسط بعض النمرة لئلا تنكشف عورته. ثم ختم كلامه بقوله:
وهذه الحكاية (حكاية بسط الثوب) في ذاتها تشبه قصص المخرفين، ولا تكاد تمتاز عن خلط الدجالين - وحاشا لله أن تمتزج بمعجزات الرسول، أو يصدق بنسبتها إليه أصحاب العقول، فإن معجزاته (ص) بهرت أولى النهى بأنوار حقيقتها، وقهرت جبابرة الأرض بحسن أسلوبها، واعتدال طريقتها.
على أن من ألم بهذا الحديث - من جميع الطرق وجده مختلف الألفاظ والمعاني باختلاف طرقه، لا تتجارى معانيه ولا ألفاظه إلى غاية، ولا تتساير في حلبة، يصدم كل منها الآخر فإذا هو زاهق والحمد لله (2).
ضعف ذاكرة أبي هريرة:
وقبل أن ننتقل إلى الفصل الثاني من قصه أبي هريرة نلحق هذه الصفحات بالفصل الماضي لاتصالها به.
كان أبو هريرة يذكر عن نفسه أنه كان كثير النسيان، لا تكاد ذاكرته تمسك شيئا مما يسمعه، ثم يزعم أن النبي - كما علمت من بعض ما روى آنفا - قد عرف له في نمرته غرفتين فأصبح لا ينسى شيئا يصل إلى أذنه، وذلك لكي يسوغ كثرة أحاديثه ويثبت في الأذهان صحة كل ما يرويه.
على أن هذه الذاكرة القوية التي اختص بها أبو هريرة من دون الصحابة جميعا، بل من دون ما ذرأ الله من الطباع الانسانية، قد خانته في مواضع