كعب الأحبار ثم يقوم فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله عن كعب، وحديث كعب عن رسول الله. وفى رواية: يجعل ما قاله كعب عن رسول الله، وما قاله رسول الله عن كعب، فاتقوا الله وتحفظوا في الحديث.
وقال يزيد بن هارون: سمعت شعبة يقول: أبو هريرة كان يدلس أي ما سمعه عن كعب وما سمعه من رسول الله ولا يميز هذا من هذا. ذكره ابن عساكر، وكأن شعبه يشير إلى حديث: من أصبح جنبا فلا صيام له، فإنه لما حوقق عليه، قال أخبرنيه مخبر ولم أسمعه من رسول الله اه. وغير ذلك.
وماذا بعد ذلك؟
ليس هذا الذي أوردناه آنفا عن كبار الصحابة وأئمة التابعين ومن بعدهم هو كل ما قيل في أبي هريرة ورواياته، ولو شئنا لأتينا بطوائف أخرى كثيرة من أقوال الذين تحررت عقولهم من رق التقليد على مد العصور، ولكنا نكتفي بما أوردناه وهو كفاية وفوق الكفاية. ولو نحن استقرينا كل ما وجه إلى أبي هريرة من طعن وأحصيناه لاقتضى منا أن نفرد له كتابا برأسه.
على أن هذا الذي أوردناه عن الصحابة والتابعين وسواهم لم يكن ليصد غيرهم من أن يصدقوه ويستمعوا إليه، وبخاصة بعد أن خلا له الجو بموت كبار الصحابة ومن كان يخشاهم في حياتهم وتفرق أكثرهم في الأمصار التي افتتحت، ثم أعانه على ذلك انضواؤه تحت لواء بنى أمية وأنه قد أصبح من أنصارهم ودعاتهم، وناهيك بالسياسة إذا هي ظاهرت أحدا فإنه ينقلب ذا قوة ونفوذ بعد أن لم يكن له قيمة وقدر.
ولقد كان لأمر أبي هريرة أن ينتهى وتتجلى حقيقته بعد غروب شمس دولة بنى أمية ونسخ ظلها عنه فيبدو للناس على حقيقته ويتخلصوا من رواياته، ولكن أتيح لهذه الروايات أن تبقى على مر القرون - وذلك بظهور بدعة (عدالة الصحابة المطلقة) فعصمته وغيره من الصحابة من أن يتجه إليهم تجريح مهما ارتكبوا من ذنب، أو اقترفوا من إثم، أو يصوب إلى رواياتهم نقد