حديث: زر غبا تزدد حبا لما رأى النبي كثرة غشيان أبي هريرة لبيوت المسلمين، وتبرم أصحابها به، أراد أن يلقنه درسا في الأدب حتى يفئ إلى القناعة، ويحفظ لنفسه كرامتها - وكان صلوات الله عليه نعم المؤدب لأصحابه يتولاهم دائما بتأديبه وحكمته، ويغرس فيهم مكارم الأخلاق بكمال سيرته، وما كان له صلى الله عليه وآله أن يذر مثل أبي هريرة على ما كان عليه من اقتحام بيوت الناس في كل وقت، وأخذ الطريق على أصحابها على ما لا يقضى به أدب اللياقة - من غير أن يؤدبه بأدبه العالي وتربيته الحكيمة، فقال له يوما: أين كنت أمس يا أبا هريرة؟ قال زرت أناسا من أهلي، فقال: يا أبا هريرة، " زر غبا تزدد حبا ". ولكن أبا هريرة لم يرعو وظل على ما تعود، ومن أجل ذلك لم يجد النبي بدا من أن يقصيه عن المدينة كما سيتبين لك ذلك فيما بعد.
انصر أخاك ظالما أو مظلوما وكنا نشرنا كلمة بمجلة الرسالة (1) عن حديث - زر غبا - وحديث انصر أخاك نجتزئ منها هنا بما يلي لاتصاله بما نحن بصدده.
إن كلمة (انصر أخاك ظالما أو مظلوما) كانت مبدأ جاهليا مقررا، فلما جاء الاسلام نسخ ما كانت تعتقده الجاهلية من هذه العبارة، وفسرها الرسول بما يتفق ومبادئ الاسلام العادلة القويمة.
وقد ذكر المفضل الضبي في كتابه الفاخر أن أول من قال: " انصر أخاك ظالما أو مظلوما، جندب بن العنبر بن عمرو بن تيم، وأراد بذلك ظاهره، وهو ما اعتاده من حمية الجاهلية، وفى ذلك يقول شاعرهم: