من الأخبار الواردة في إمام الجمعة وغيرها كقوله (عليه السلام) (1): (لا تصل خلف من لا تثق بدينه وأمانته) ونحوها، ولا ريب في ظهورها ظهورا لا يكاد ينكر في رد القول بالاكتفاء بالاسلام مع عدم ظهور الفسق، كما أنها ظاهرة في رد القول بالملكة.
وقيل العدالة عبارة عن ملكة نفسانية تبعث على ملازمة التقوى والمروة، والمراد بملازمة التقوى اجتناب الكبائر وعدم الاصرار على الصغائر، بل هو من جملة الكبائر، وبالمروة أن لا يفعل ما تنفر النفوس عنه عادة، ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأزمنة والأمكنة، وعن مصابيح الظلام أنه المشهور بين الأصحاب، بل عن الشيخ نجيب الدين العاملي نسبته إلى العلماء، ولعل المراد المتأخرون، وإلا فقد عرفت أن المتقدمين لم يأخذ أحد منهم ذلك في تعريفهم، بل في الكفاية وعن الذخيرة لم أعثر على هذا التعريف لغير العلامة، وليس في الأخبار له أثر ولا شاهد عليه فيما أعلم وكأنهم اقتفوا في ذلك أثر العامة، وعن مجمع البرهان نحوه، مع أنه نسبه في مجمع البرهان إلى أنه مشهور بين عامة العامة والخاصة، فيكون قرينة على إرادة المتأخرين.
وحجتهم على ذلك كما قيل إن العدالة لغة الاستقامة وعدم الميل إلى جانب أصلا فإن الفسق ميل عن الحق والطريق المستقيم، وموضوعات الألفاظ يرجع فيها إلى اللغة والعرف، فلا بد أن يكون في الواقع استقامة، لأن الألفاظ أسامي للمعاني الواقعية لا ما ثبت شرعا أو ظهر عرفا، إذ ذلك خارج عن معنى اللفظ جزما، فحيث صارت العدالة شرطا فلا بد من ثبوتها والعلم بها، لأن الشك في الشرط يقتضي الشك في المشروط، فمقتضى ذلك العلم بعدم الميل بحسب نفس الأمر، ولا يحصل ذلك إلا بالمعاشرة الباطنية بحيث يحصل من ملاحظة حاله الوثوق والاطمئنان بأنه لا يميل، وهو معنى الملكة والهيئة الراسخة، وكذلك الحال في لفظ الفاسق، وهو أمر معروف مشاهد في كثير