قال: " ذكر بعض علماء الشيعة أنه كان بالمدينة رجل يدخل على أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) وكان في طريقه ماء فيه العذرة والجيف وكان يأمر الغلام بحمل كوز من ماء يغسل رجله إن أصابه، فأبصره يوما أبو جعفر فقال: إن هذا لا يصيب شيئا إلا طهره فلا تعد منه غسلا ".
وأضيف إلى ذلك وجوه ثلاثة (الأول) الحديث المشهور المروي بعدة طرق من الطرفين كما قيل (1): " خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شئ إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه " وما رواه السكوني (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) الماء يطهر ولا يطهر " ووجه الاستدلال بالأخير أنه إن غلب على النجاسة حتى استهلكت فيه طهرها ولم ينجس حتى يحتاج إلى التطهير، وإن غلب عليه النجاسة حتى استهلك فيها صار في حكم النجاسة ولم يقبل التطهير إلا باستهلاكه في الماء الطاهر، وحينئذ لم يبق منه شئ (الثاني) أنه لو كان ينجس بملاقاة النجاسة لما أجاز إزالة الخبث بشئ منه بوجه وذلك لأن كل جزء من أجزاء الماء الواردة على المحل النجس ينجس بملاقاة المتنجس فيخرج عن الطهورية في أول آنات اللقاء، والفرق بين وروده على النجاسة وورودها مع أنه مخالف المنصوص لا يجدي إذ الكلام في ذلك الجزء الملاقي ولا يعصمه القدر المستعلي لكونه أدون من الكر، والقول بالطهارة عند الملاقاة والنجاسة بعد الانفصال في غاية البعد فإنه لا معنى للطهارة عند الملاقاة للمتنجس والنجاسة بعد الانفصال عنه (الثالث) إن اشتراط الكر مثار الوسواس ولأجله شق الأمر على الناس، وكيف يصنعون أهل مكة والمدينة إذ لا يكثر فيها المياه الجارية ولا الراكد الكثير، ومن أول عصر النبي (صلى الله عليه وآله) إلى آخر عصر الصحابة لم تنقل واقعة في الطهارات ولا سؤال عن كيفية حفظ المياه من النجاسات، وكانت أواني شربهم مثلا يتعاطاها الصبيان والإماء الذين لا يتحرزون عن النجاسات بل الكفار.