تسامح في تقدير الكر، إذ كيف يعقل التسامح مع هذا التفاوت.
نعم هنا (بحث آخر) وهو أن التحديد بالأشبار أو الوزن على المشهور وغيره هل هو على التحقيق أو التقريب فمتى نقص منه قليل لا يقدح في كونه كرا؟ الظاهر الأول لتعليق الحكم فيه على هذا المقدار فلا تسامح فيه. ودعوى احتمال الصدق مع النقصان يدفعه أنه من المسامحات العرفية لا من الحقائق. لا يقال إن هذا التقريب ربما يكون وجه جمع بين رواية أبي بصير التي هي دليل المشهور وبين صحيحة إسماعيل بن جابر، لأنا نقول على تقدير التقريب لا يتسامح في مثل هذا المقدار فإن التفاوت سبعة أشبار إلا ثمن. ومثل الاحتمال المتقدم سابقا احتمال القول بأن هذا الاختلاف في الأخبار من جهة اختلاف المياه في الصفا وعدمه فإذا كان الماء صافيا ليس فيه شئ يكون مقدار الكر سبعة وعشرين بخلاف غيره فيقدر التقديرين الآخرين للاختلاف شدة وضعفا. وأنت خبير أن ذلك كله تصرف من غير إذن المالك. ثم إنه لو كان هناك ما اختبر بالوزن فبلغ المقدار المعلوم ولكنه بالمساحة لا يبلغ وبالعكس فهل تجري عليه أحكام الكرية أو لا؟ والظاهر أن المساحة على المشهور تزيد على الوزن في المشهور فما معنى هذا التقدير؟
وما يصنع بالزيادة؟ على الاستحباب أو غيره؟ والتحقيق في المقام أن يقال قد علمت أن الكر مكيال معروف، إلا أنه لما كان غير موجود في كل وقت، أو لأنه خشي أن يجهل حاله مع احتياج الناس لمعرفة الكر لكثرة أسفارهم وعوارضهم، بل هم محتاجون إلى ذلك في الحضر أراد الشارع ضبطه بالوزن لكونه الأصل وبالمساحة تسهيلا للخلق، والظاهر أنه مبني تقديره بهما على التقريب لا على التحقيق، وإن كان بعد تقدير التقريب بذلك صار تحقيقا لا ينقص منه شئ، فيكون تحقيقا في تقريب، فلا يقدح هذا التفاوت بينهما وحينئذ يكون عدمهما علامة على عدم الكر، كما أن وجود أحدهما دليل عليها وإن خاصية الوزن لما نقص عنه بالوزن والمساحة للمساحة لا المساحة للوزن ولا العكس، فيكون مفهوم كل من الروايتين معارض بالأخرى فيسقطان فيبقى منطوقهما