القول بالاكتفاء بنزح المقدر للجملة التي علم كون الجزء منها، استصحابا لطهارة البئر من الآخر، وإن لم يعلم بأحد الجزئين لم يبعد القول بنزح مقدر الجميع المحتمل، استصحابا للنجاسة، ولأنه كما إذا وقع حيوان في البئر فمات فيها ولم يعلم كونه كلبا أو ثعلبا، فإن الظاهر وجوب نزح الجميع للمقدمة، وإن كان الثاني وهو ما إذا علم كون الجزئين مثلا جزئي كلب لكن لم يعلم كونهما من كلب واحد أو كلبين فالظاهر وجوب نزح مقدر واحد، استصحابا للحال السابق المعلوم في البئر، فإنه لم يعلم انتقاضه إلا بوقوع كلب واحد، والأصل عدم تعدد الواقع، واحتمال القول بالتلفيق أي تلفيق كلب من الأجزاء فينزح حينئذ المقدر للكلب الواحد مثلا وإن كانت الأجزاء مختلفة لا يخلو من وجه، لكن الأظهر عدمه.
(الثالث) إذا لم يقدر للنجاسة) حيوانا كانت أو غيره (منزوح) أي لم يعلم من الشارع له مقدر بالخصوص بأحد الأدلة المعتبرة فعلا كانت أو قولا ظاهرا أو نصا (نزح جميع ماءها) تحقيقا لا يتسامح في شئ منه، (فإن تعذر نزحها) لكثرة الماء أو غلبته لا لمانع خارجي (لم تطهر إلا بالتراوح) وقد تقدم كيفيته، وكأن الحصر إضافي، لما تقدم من إمكان حصول الطهارة بغير ذلك، وما اختاره المصنف من وجوب نزح الجميع لفاقد النص هو الأقوى، استصحابا للنجاسة، والقول بأن البئر لا ينجس إلا بالنجاسات المذكورة في كلام الشارع التي وجب النزح لها لأن العمدة في النجاسة أوامر النزح لا وجه له، لما علمت سابقا أن البئر عند أهل هذا القول تنجس بكل شئ، والعمدة في ذلك الاجماعات المنقولة، واستفادتهم من هذه الروايات أن البئر قابلة للنجاسة بكل نجاسة.
لا يقال إن أصالة البراءة من وجوب نزح الجميع قاضية بعكس ما ذكرتم، كما قيل ذلك عند الشك من تعارض الأدلة في وجوب الغسل من البول مثلا مرة أو مرتين أو أزيد.