من الآية وتفسيرها معارض بغيره، مع أن احتمال ذلك لا يقتضي حمل اللفظ عليه وإن كان متبادرا في غيره كماء المطر. ولعل التعليل بقوله تعالى " لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا " (1) يقضي به، كما نقل عن البيضاوي، ويؤيده أنه ورد في سبب نزول الثانية (2) أن المسلمين نزلوا في غزوة بدر في كثيب وقد غلب المشركون على الماء واتفق أنه احتلم في تلك الليلة كثير من المسلمين وقد وقع بسبب ذلك وسواس في قلوب بعضهم فأنزل الله مطرا في تلك الليلة حتى جرى الوادي وتلبد الرمل الذي بينهم وبين العدو حتى يثبت الأقدام وذلك قوله تعالى: " وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام " (3) لا تقضي إلا بثبوت هذه الصفة للماء المنزل من السماء إما في الجملة أو حين الانزال، كما هو الظاهر من قولك ضربت رجلا راكبا، فإنه ظاهر في أن الركوب حال الضرب لا حال الأخبار. والتمسك على دوامه بثبوته رجوع للتمسك بالاستصحاب وقد عرفت ما فيه.
وقوله تعالى " فلم تجدوا... " إلى آخره (4) مع كون الظاهر من إطلاقها أنه غير مساق لشمول مثل هذا، لا ريب في أن المراد منها كما بين في محله من لم يقدروا على استعمال الماء عقلا أو شرعا. ودخول ما نحن فيه تحت القدرة محل الكلام فهي لا تفيد ما نحن فيه، على أنه قد عرفت بالأدلة المتقدمة أن واجد الماء القليل غير واجد للماء فيكون كواجد المغصوب والمتغير ونحو ذلك. والرجوع إلى الأصل ونحو ذلك خروج عن الاستدلال.
وأما الأخبار فإنها فاقدة لما تحتاج إليه من الجابر لقصور سند كثير منها أو دلالته، وربما جمع بعضها الأمرين، بل الوهن متطرق إليها بما عرفت من إعراض الأصحاب