على أنا لو تركناها والمعارض وأخذنا نتمسك بالأصول والاجماعات لكفى. فالمسألة من الواضحات التي لا ينبغي إطالة الكلام فيها. وكأنه لمكان استبعاد صدور مثل ذلك من العلامة فسر كشف اللثام اشتراطه للكرية بشئ يقطع الناظر في كلام العلامة بأنه لا يريده، وقد ذكرناه في باب تطهير الجاري وغيره فراجع وتأمل.
وليعلم أن الشهيد في الدروس قال: ولا يشترط فيه الكرية على الأصح نعم يشترط فيه دوام النبع. وعن الموجز لأبي العباس بن فهد موافقته على ذلك، وقد سمعت أنه استحسنه في التنقيح وقال: عليه الفتوى. قلت: وليته اتضح لنا ما يريده بهذه العبارة فضلا عن الصحة، فإنها تحتمل وجوها: (منها) أن يريد بدوام النبع عدم الانقطاع في زمان دون زمان مثل العيون التي تنقطع بالصيف دون الشتاء أو بالعكس، فإنه حينئذ يشترط الكرية. وفيه ما لا يخفى بل لا ينبغي أن ينسب مثل ذلك لمثله إذ انقطاعه في بعض الأزمنة لا يخرجه عن حكم الجاري في غير زمان الانقطاع، ولا يساعده على ذلك شئ من الأخبار، بل ولا الاعتبار، على أنه كيف يعلم أنها من دائم النبع أو منقطعه إذا لم يعلم، ولعله يتمسك حينئذ باستصحاب بقاء النبع فيصيرها حينئذ من دائمه حتى يعلم. وفيه ما فيه. والحاصل لا ينبغي إطالة الكلام في فساد مثل ذلك.
(ومنها) أن يراد بدوام النبع أي عند ملاقاة النجس للماء يشترط فيه أن يكون نابعا فإنه متى لم يكن كذلك جرى عليه حكم المحقون. وهذا المعنى وإن كان في نفسه صحيحا على بعض الأحوال إلا أنه يبعد إرادة الشهيد له، على أن ذلك ليس فيه زيادة حينئذ على أصل معنى الجاري كونه مما له مادة، لكن الأمر في ذلك سهل إذ لعله حينئذ احترز به عما يتوهم من أن الجاري هو الماء النابع وإن انقطع النبع، فأراد (رحمه الله) التنبيه على أنه لا ينجس بالملاقاة ونحوها بشرط أن يكون دائم النبع أي نابعا حين الملاقاة.
وقد يقال إنه احترز به عن بعض أفراد النابع كالقليل الذي يخرج بطرق الرشح فإن العلم بوجود المادة فيه عند ملاقاة النجاسة مشكل لأنه يترشح آنا فآنا، فليس له فيما بين