يا أبا فراس فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به فردها الفرزدق وقال يا بن رسول الله ما قلت الذي قلت إلا غضبا لله ولرسوله وما كانت لأرزء عليه شيئا فقال شكر الله لك ذلك غير إنا أهل بيت إذا أنفذنا أمرا لم نعد فيه فقبلها وجعل يهجو هشاما وهو في الحبس فكان مما هجاه به:
أيحبسني بين المدينة والتي * إليها قلوب الناس يهوى منيبها يقلب رأسا لم يكن رأس سيد * وعينا له حولاء باد عيوبها فبعث إليه فأخرجه.
قلت جزى الله الفرزدق عن هذا المقام أحسن جزائه فلقد أدى ما وجب عليه من إخلاصه وولائه لا جرم ان الله شكر له هذه الحسنة واعد له ذخائر ثوابها وقد رأى ما أقر عينه في الدار التي ثوى بها.
ومن أخبار الفرزدق ما حكاه محمد بن حبيب قال صعد الوليد بن عبد الملك المنبر فسمع صوت ناقوس فقال ما هذا فقيل البيعة فأمر بهدمها وتولى ذلك بيده فتتابع الناس يهدمون فكتب إليه ملك الروم ان هذه البيعة قد أقرها من كان قبلك فان يكونوا أصابوا فقد أخطأت وان تكن أصبت فقد أخطأوا فقال من يجيبه فقال الفرزدق يكتب إليه (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا أتينا حكما وعلما) الآية فاستحسن ذلك.
وروى معاوية بن عبد الكريم عن أبيه قال دخلت على الفرزدق فتحرك فإذا في رجليه قيد قلت ما هذا يا أبا فراس قال حلفت أن لا أخرج هذا من رجلي حتى أحفظ القرآن.
وروى أنه لما ماتت النوار امرأة الفرزدق خرج الحسن البصري في جنازتها ووقف على قبرها والفرزدق واقف معه والناس ينظرون فقال الحسن ما للناس فقال الفرزدق خير الناس وشر الناس فقال الحسن لست بخير الناس