هذا هو مراد الشافعي حيث يبحث في رسالته عن حجية الحجج الشرعية.
فأورد عليهم:
أولا: بأن مقتضى ذلك خروج كثير من المسائل المعنونة في علم الأصول من المسائل الأصولية، ودخولها في المبادئ; لأن البحث فيها راجع إلى تعيين الحجة، مثل أن الظاهر حجة أم لا؟ وأن خبر الواحد حجة أم لا؟ وأن الإجماع حجة أم لا؟ وأن الشهرة حجة أم لا؟ والبحث عن حجية الأصول العملية، وعن الاستلزامات العقلية... إلى غير ذلك من المباحث الراجعة إلى تعيين الحجة، فتكون من المبادئ التصديقية، وهو كما ترى (1).
نعم: البحث عن مثل التعادل والترجيح - حيث يبحث فيه عن تقدم إحدى الحجتين على الاخرى - من المسائل الأصولية (2).
وبالجملة: البحث عن العوارض بحث عن مفاد «كان» الناقصة، فلو كان موضوع علم الأصول الأدلة الأربعة بوصف دليليتها، لزم أن يكون البحث عن حجية الأدلة الأربعة بحثا عن وجود الحجة التي هي مفاد «كان» التامة، فيندرج البحث فيها في المبادئ التصديقية لعلم الأصول، والالتزام بذلك كما ترى.
وثانيا: أن موضوع أكثر تلك المباحث لم يكن خصوص الأدلة الأربعة; وإن كان المهم معرفة أحوال خصوصها، فإن البحث عن حجية الظاهر - مثلا - هو أنه هل الظاهر حجة مطلقا - كان من الأدلة أو غيرها - أم لا؟ والبحث عن خبر الثقة هو أنه هل خبر الثقة حجة مطلقا أم لا؟ وكذا سائر مباحث الألفاظ لم تكن مخصوصة بذوات الأدلة بما هي أدلة، بل هي مباحث كلية، لا بما هي أدلة، فتكون أبحاثها من عوارض ذلك الكلي، لا الأدلة الأربعة (3).