فرد آخر وهكذا، وأما في الواجبات الشرعية فلا يعقل ذلك، لأن المصلحة فيها ترجع إلى العبد وهو مأمور بتحصيلها لا إلى المولى من جهة وعدم إمكان التفكيك بينهما خارجا من جهة أخرى، فما أفاده (قدس سره) من أن الغرض من الصلاة وإن كانت مصلحتها إلا أنها غير مرادة من المكلف لا بالغرض ولا بالذات غريب جدا، وبكلمة أن ما ذكره (قدس سره) من أن المصلحة المترتبة على الصلاة مثلا غير مرادة من المكلف لا بالذات ولا بالغرض، إن أراد بذلك أن الإرادة التشريعية متعلقة بالفعل لا بها ولا بالغرض ولا بالذات، فيرد عليه أنها متعلقة بها بالذات، وأما تعلقها بالصلاة باعتبار أنها مقدمة لها هذا إذا كان المراد من الإرادة التشريعية القصد والشوق، وأما إذا كان المراد منها أمر المولى، فهو وإن كان متعلقا بالفعل كالصلاة إلا أن تعلقه بالفعل إنما هو لتحصيل المصلحة الملزمة المترتبة عليه، فإنه المقصود بالأصالة دون الفعل بما هو، ولهذا تكون تلك المصلحة هي حقيقة الأمر وروحه لا مجرد الاعتبار، وإن أراد بذلك أنها غير مقدورة للمكلف، فقد تقدم أنها مقدورة بالواسطة وهي تكفي في صحة التكليف والإرادة، وإن أراد بذلك أنها غير قابلة لتعلق التكليف بها باعتبار أنه لا طريق للمكلف إليها ولا يعلم بها ولا بحدودها سعة وضيقا، ففيه أن هذا وإن كان صحيحا إلا أن ذلك لا يمنع عن كونها مرادة ومقصودة بالذات من المكلف تحصيلها.
وأما ما ذكره (قدس سره) من أن جميع آثار الواجب النفسي مترتبة على الأفعال الواجبة ككونها محركة ومقربة وموجبة لاستحقاق الثواب على موافقتها والعقوبة على مخالفتها فهو صحيح، إلا أن ترتب تلك الآثار على هذه الواجبات إنما هو باعتبار اشتمالها على المصالح والملاكات اللزومية التي هي الداعية إلى إيجابها، لأن العقوبة في الحقيقة إنما هي على تفويتها والمثوبة على استيفائها والأمر بالصلاة إنما هو محرك بلحاظ ما فيها من المصلحة الملزمة،