الأولى: جهة نفسية وهي اتصافه بالملاك.
الثانية: جهة غيرية وهي جعل وجوبه من أجل الحفاظ على الملاكات الواقعية، وكلتا الجهتين تدعو المولى إلى جعل التعلم واجبا نفسيا تهيئيا.
والجواب: أن ذلك وإن كان ممكنا ثبوتا إلا أنه لا يمكن إثباته بدليل، لأن الأدلة الدالة على وجوب التعلم لا تدل على أن وجوبه نفسي بل لا إشعار فيها على ذلك فضلا عن الدلالة، لوضوح أن وجوبه إنما هو من أجل الحفاظ على الأحكام الواقعية بما لها من الملاكات التامة لا من أجل نفسه، إذ لا يحتمل أن تكون في نفس التعلم وتحصيل العلم مصلحة ملزمة تدعو إلى إيجابه بقطع النظر عما يترتب على الواقع المنكشف به من المصالح والآثار المطلوبة، لأن قيمة العلم إنما هي بقيمة المعلوم وآثاره العامة أو الخاصة لا في نفسه، بل في قوله (عليه السلام): " هلا تعلمت " (1) تصريح بأن التعلم إنما هو من أجل العمل بالواقع، ومن هنا لا يمكن الالتزام بلازم هذا القول وهو استحقاق العقوبة على ترك التعلم زائدا على استحقاق العقوبة على ترك الواقع وتفويته.
فالنتيجة أنه لا يمكن الالتزام بأن وجوب التعلم وجوب نفسي تهيئ.
وأما القول الثاني، وهو أن وجوبه غيري، فقد أورد عليه بأن ما يتصف بالوجوب الغيري هو المقدمات الوجودية التي يتوقف وجود الواجب عليها دون المقدمات العلمية التي يتوقف العلم بالواجب عليها، والتعلم بما أنه من المقدمات العلمية فلا يتصف بالوجوب الغيري، فلهذا لا يمكن الالتزام بهذا القول.
والجواب: أن هذا الإيراد لا يتم مطلقا، فإن المقدمة العلمية وإن لم