ميسرة عن أبي إدريس عن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " لا يدخل الجنة عاق ولا منان ولا مدمن خمر ولا مكذب بقدر ".
وروى أحمد وابن ماجة من حديث يونس بن ميسرة نحوه ثم روى ابن مردويه وابن حبان والحاكم في مستدركه والنسائي من حديث عبد الله بن يسار الأعرج عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه ومدمن الخمر والمنان بما أعطى " وقد روى النسائي عن مالك بن سعد عن عمه روح بن عبادة عن عتاب بن بشير عن خصيف الجراري عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " لا يدخل الجنة مدمن خمر ولا عاق لوالديه ولا منان ". وقد رواه ابن أبي حاتم عن الحسن بن المنهال عن محمد بن عبد الله بن عصار الموصلي عن عتاب عن خصيف عن مجاهد عن ابن عباس ورواه النسائي من حديث عبد الكريم بن مالك الحوري عن مجاهد قوله وقد روي عن مجاهد عن أبي سعيد وعن مجاهد عن أبي هريرة نحوه ولهذا قال الله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى " فأخبر أن الصدقة تبطل بما يتبعها من المن والأذى فما بقي ثواب الصدقة بخطيئة المن والأذى ثم قال تعالى " كالذي ينفق ماله رئاء الناس " أي لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كما تبطل صدقة من راءى بها الناس فأظهر لهم أنه يريد وجه الله وإنما قصده مدح الناس له أو شهرته بالصفات الجميلة ليشكر بين الناس أو يقال إنه كريم ونحو ذلك من المقاصد الدنيوية مع قطع نظره عن معاملة الله تعالى ابتغاء مرضاته وجزيل ثوابه ولهذا قال " ولا يؤمن بالله واليوم الآخر " ثم ضرب تعالى مثل ذلك المرائي بإنفاقه قال الضحاك:
والذي يتبع نفقته منا أو أذى فقال " فمثله كمثل صفوان " وهو جمع صفوانة فمنهم من يقول الصفوان يستعمل مفردا.
أيضا وهو الصفا وهو الصخر الأملس " عليه تراب فأصابه وابل " هو المطر الشديد " فتركه صلدا " أي فترك الوابل ذلك الصفوان صلدا أي أملس يابسا أي لا شئ عليه من ذلك التراب بل قد ذهب كله أي وكذلك أعمال المرائين تذهب وتضمحل عند الله وإن ظهر لهم أعمال فيما يرى الناس كالتراب ولهذا قال " لا يقدرون على شئ مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين ".
ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فأتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير (265) وهذا مثل المؤمنين المنفقين أموالهم ابتغاء مرضات الله عنهم في ذلك " وتثبيتا من أنفسهم " أي وهم متحققون ومتثبتون أن الله سيجزيهم على ذلك أوفر الجزاء ونظير هذا في المعنى قوله عليه السلام في الحديث الصحيح المتفق على صحته " من صام رمضان إيمانا واحتسابا " أي يؤمن أن الله شرعه ويحتسب عند الله ثوابه قال الشعبي: " وتثبيتا من أنفسهم " أي تصديقا ويقينا وكذا قال قتادة وأبو صالح وابن زيد واختاره ابن جرير وقال مجاهد والحسن أي يتثبتون أين يضعون صدقاتهم.
وقوله " كمثل جنة بربوة " أي كمثل بستان بربوة وهو عند الجمهور المكان المرتفع من الأرض وزاد ابن عباس والضحاك وتجري فيه الأنهار قال ابن جرير رحمه الله: وفي الربوة ثلاث لغات هن ثلاث قراءات بضم الراء وبها قرأ عامة أهل المدينة والحجاز والعراق وفتحها وهي قراءة بعض أهل الشام والكوفة ويقال إنها لغة تميم وكسر الراء ويذكر أنها قراءة ابن عباس.
وقوله " أصابها وابل " وهو المطر الشديد كما تقدم فآتت " أكلها " أي ثمرتها " ضعفين " أي بالنسبة إلى غيرها من الجنان " فإن لم يصبها وابل فطل " قال الضحاك هو الرذاذ وهو اللين من المطر أي هذه الجنة بهذه الربوة لا تمحل أبدا لأنها إن لم يصبها وابل فطل وأيا ما كان فهو كفايتها وكذلك عمل المؤمن لا يبور أبدا بل يتقبله الله ويكثره وينميه كل عامل بحسبه ولهذا قال " والله بما تعملون بصير " أي لا يخفى عليه من أعمال عباده شئ.