" ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه " يقول لو كان لكم على أحد حق فجاءكم بحق دون حقكم لم تأخذوه بحساب الجيد حتى تنقصوه قال فذلك قوله " إلا أن تغمضوا فيه " فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم وحقي عليكم من أطيب أموالكم وأنفسه؟ رواه ابن أبي حاتم وابن جرير وزاد وهو قوله " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " ثم روى من طريق العوفي وغيره عن ابن عباس نحو ذلك وكذا ذكره غير واحد.
وقوله " واعلموا أن الله غني حميد " أي وإن أمركم بالصدقات وبالطيب منها فهو غني عنها وما ذاك إلا أن يساوي الغني الفقير كقوله " لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم " وهو غني عن جميع خلقه وجميع خلقه فقراء إليه وهو واسع الفضل لا ينفذ ما لديه فمن تصدق بصدقة من كسب طيب فليعلم أن الله غني واسع العطاء كريم جواد وسيجزيه بها ويضاعفها له أضعافا كثيرة من يقرض غير عديم ولا ظلوم وهو الحميد أي المحمود في جميع أفعاله وأقواله وشرعه وقدره لا إله إلا هو ولا رب سواه.
وقوله " الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم " قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو الأحوص عن عطاء بن السائب عن مرة الهمداني عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله ومن وجد الأخرى فليتعوذ من الشيطان " ثم قرأ " الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا " الآية. وهكذا رواه الترمذي والنسائي في كتابي التفسير من سننهما جميعا عن هناد بن السري وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن أبي يعلى الموصلي عن هناد به وقال: الترمذي حسن غريب وهو حديث أبي الأحوص يعني سلام بن سليم لا نعرفه مرفوعا إلا من حديثه كذا قال: وقد رواه أبو بكر بن مردويه في تفسيره عن محمد بن أحمد عن محمد بن عبد الله بن مسعود مرفوعا نحوه ولكن رواه مسعر عن عطاء بن السائب عن أبي الأحوص عوف بن مالك بن نضلة عن ابن مسعود فجعله من قوله والله أعلم ومعنى قوله تعالى " الشيطان يعدكم " أي يخوفكم الفقر لتمسكوا ما بأيديكم فلا تنفقوه في مرضاة الله " ويأمركم بالفحشاء " أي مع نهيه إياكم عن الانفاق خشية الاملاق يأمركم بالمعاصي والمآثم والمحارم ومخالفة الخلاق قال تعالى " والله يعدكم مغفرة منه " أي في مقابلة ما أمركم الشيطان بالفحشاء " وفضلا " أي في مقابلة ما خوفكم الشيطان من الفقر " والله واسع عليم ".
وقوله " يؤتي الحكمة من يشاء " قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يعني المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره وحلاله وحرامه وأمثاله وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعا " الحكمة القرآن " يعني تفسيره قال ابن عباس: فإنه قد قرأه البر والفاجر رواه ابن مردويه وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد يعني بالحكمة الإصابة في القول وقال: ليث بن أبي سليم عن مجاهد " يؤتي الحكمة من يشاء " ليست بالنبوة ولكنه العلم والفقه والقرآن وقال أبو العالية: الحكمة خشية الله فإن خشية الله رأس كل حكمة وقد روى ابن مردويه من طريق بقية عن عثمان بن زفر الجهني عن أبي عمار الأسدي عن ابن مسعود مرفوعا " رأس الحكمة مخافة الله " وقال أبو العالية في رواية عنه الحكمة الكتاب والفهم وقال إبراهيم النخعي: الحكمة الفهم وقال أبو مالك:
الحكمة السنة وقال ابن وهب عن مالك قال زيد بن أسلم: الحكمة العقل قال مالك: وإنه ليقع في قلبي أن الحكمة هو الفقه في دين الله وأمر يدخله الله في القلوب من رحمته وفضله ومما يبين ذلك أنك تجد الرجل عاقلا في أمر الدنيا إذا نظر فيها وتجد آخر ضعيفا في أمر دنياه عالما بأمر دينه بصيرا به يؤتيه الله إياه ويحرمه هذا فالحكمة الفقه في دين الله وقال السدي: الحكمة النبوة والصحيح أن الحكمة كما قاله الجمهور لا تختص بالنبوة بل هي أعم منها وأعلاها النبوة والرسالة أخص ولكن لاتباع الأنبياء حظ من الخير على سبيل التبع كما جاء في بعض الأحاديث " من