التاريخ خلافه ومنهم من حمل حديث أبي هريرة على نفي الكمال فلا صوم له لحديث عائشة وأم سلمة الدالين على الجواز وهذا المسلك أقرب الأقوال وأجمعها والله أعلم وقوله " ثم أتموا الصيام إلى الليل " يقتضي الافطار عند غروب الشمس حكما شرعيا كما جاء في الصحيحين عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا فقد أفطر الصائم " وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر " أخرجاه وقال الإمام أحمد: حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي حدثنا قرة بن عبد الرحمن عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل " إن أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا " ورواه الترمذي من غير وجه عن الأوزاعي به وقال هذا حديث حسن غريب وقال أحمد أيضا: حدثنا عفان حدثنا عبد الله بن إياد سمعت إياد بن لقيط سمعت ليلى امرأة بشير بن الخصاصية قالت: أردت أن أصوم يومين مواصلة فمنعني بشير وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه وقال " يفعل ذلك النصارى ولكن صوموا كما أمركم الله " ثم أتموا الصيام إلى الليل " فإذا كان الليل فأفطروا ". ولهذا ورد في الأحاديث الصحيحة النهي عن الوصال وهو أن يصل يوما بيوم آخر ولا يأكل بينهما شيئا قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تواصلوا " قالوا: يا رسول الله إنك تواصل قال " فإني لست مثلكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني " قال فلم ينتهوا عن الوصال فواصل بهم النبي صلى الله عليه وسلم يومين وليلتين ثم رأوا الهلال فقال " لو تأخر الهلال لزدتكم " كالمنكل لهم وأخرجاه في الصحيحين من حديث الزهري به وكذلك أخرجا النهى عن الوصال من حديث أنس وابن عمر وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم فقالوا إنك تواصل قال " إني لست كهيئتكم إني يطعمني ربي ويسقيني " فقد ثبت النهي عنه من غير وجه وثبت أنه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كان يقوى على ذلك ويعان والأظهر أن ذلك الطعام والشراب في حقه إنما كان معنويا لا حسيا وإلا فلا يكون مواصلا مع الحسي ولكن كما قال الشاعر:
لها أحاديث من ذكراك تشغلها * عن الشراب وتلهيها عن الزاد وأما من أحب أن يمسك بعد غروب الشمس إلى وقت السحر فله ذلك كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر " قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله قال " إني لست كهيئتكم إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني " أخرجاه في الصحيحين أيضا وقال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا أبو نعيم حدثنا أبو إسرائيل العنسي عن أبي سكر بن حفص عن أم ولد حاطب بن أبي بلتعة أنها مرت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتسحر فدعاها إلى الطعام فقالت إني صائمة قال وكيف تصومين فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال " أين أنت من وصال آل محمد من السحر إلى السحر " وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق حدثنا إسرائيل عن عبد الأعلى عن محمد بن علي عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواصل من السحر إلى السحر وقد روى ابن جرير عن عبد الله بن الزبير وغيره من السلف أنهم كانوا يواصلون الأيام المتعددة وحمله منهم على أنهم كانوا يفعلون ذلك رياضة لأنفسهم لا أنهم كانوا يفعلونه عبادة والله أعلم. ويحتمل أنهم كانوا يفهمون من النهي أنه إرشاد من باب الشفقة كما جاء في حديث عائشة رحمة له فكان ابن الزبير وابنه عامر ومن سلك سبيلهم يتجشمون ذلك ويفعلونه لأنهم كانوا يجدون قوة عليه وقد ذكر عنهم أنهم كانوا أول ما يفطرون على السمن والصبر لئلا تتخرق الأمعاء بالطعام أولا وقد روي عن ابن الزبير أنه كان يواصل سبعة أيام ويصبح في اليوم السابع أقواهم وأجلدهم وقال أبو العالية إنما فرض الله الصيام بالنهار فإذا جاء بالليل فمن شاء أكل ومن شاء لم يأكل. وقوله تعالى " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس هذا في الرجل يعتكف في المسجد في رمضان أو في غير رمضان فحرم الله عليه أن ينكح النساء ليلا أو نهارا حتى يقضي اعتكافه وقال الضحاك كان الرجل إذا اعتكف فخرج من المسجد جامع إن شاء فقال الله تعالى " ولا تباشروهن