وغير واحد أي في غطاء وهذا كقول المشركين " وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه " الآية وقيل معناه أنهم ادعو أن قلوبهم غلف للعلم أي أوعية للعلم قد حوته وحصلته رواه الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وقد تقدم نظيره في سورة البقرة قال الله تعالى: " بل طبع الله عليها بكفرهم " فعلى القول الأول كأنهم يعتذرون إليه بأن قلوبهم لا تعي ما يقول لأنها في غلف وفي أكنة قال الله بل هي مطبوع عليها بكفرهم وعلى القول الثاني عكس عليهم ما ادعوه من كل وجه وقد تقدم الكلام على مثل هذا في سورة البقرة " فلا يؤمنون إلا قليلا " أي تمرنت قلوبهم على الكفر والطغيان. وقلة الايمان " وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما " قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يعني أنهم رموها بالزنا وكذلك قال السدي وجويبر ومحمد بن إسحاق وغير واحد وهو ظاهر من الآية أنهم رموها وابنها بالعظائم فجعلوها زانية وقد حملت بولدها من ذلك زاد بعضهم وهي حائض فعليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة وقولهم " إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله " أي هذا الذي يدعي لنفسه هذا المنصب قتلناه وهذا منهم من باب التهكم والاستهزاء كقول المشركين " يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون " وكان من خبر اليهود عليهم لعائن الله وسخطه وغضبه وعقابه أنه لما بعث الله عيسى ابن مريم بالبينات والهدى حسدوه على ما آتاه الله تعالى من النبوة والمعجزات الباهرات التي كان يبرئ بها الأكمه والأبرص ويحيى الموتى بإذن الله ويصور من الطين طائرا ثم ينفخ فيه فيكون طائرا يشاهد طيرانه بإذن الله عز وجل إلى غير ذلك من المعجزات التي أكرمه الله بها وأجراها على يديه ومع هذا كذبوه وخالفوه وسعوا في أذاه بكل ما أمكنهم حتى جعل نبي الله عيسى عليه السلام لا يساكنهم في بلدة بل يكثر السياحة هو وأمه عليهما السلام ثم لم يقنعهم ذلك حتى سعوا إلى ملك دمشق في ذلك الزمان وكان رجلا مشركا من عبدة الكواكب وكان يقال لأهل ملته اليونان وأنهوا إليه أن في بيت المقدس رجلا يفتن الناس ويضلهم ويفسد على الملك رعاياه فغضب الملك من هذا وكتب إلى نائبه بالقدس أن يحتاط على هذا المذكور وأن يصلبه ويضع الشوك على رأسه ويكف أذاه عن الناس فلما وصل الكتاب امتثل والي بيت المقدس ذلك وذهب هو وطائفة من اليهود إلى المنزل الذي فيه عيسى عليه السلام وهو في جماعة من أصحابه اثني عشر أو ثلاثة عشر وقال سبعة عشر نفرا وكان ذلك يوم الجمعة بعد العصر ليلة السبت فحصروه هنالك. فلما أحس بهم وأنه لا محالة من دخلوهم عليه أو خروجه إليهم قال لأصحابه أيكم يلقى عليه شبهي وهو رفيقي في الجنة؟ فانتدب لذلك شاب منهم فكأنه استصغره عن ذلك فأعادها ثانية وثالثة وكل ذلك لا ينتدب إلا ذلك الشاب فقال: أنت هو وألقى الله عليه شبه عيسى حتى كأنه هو وفتحت روزنة من سقف البيت وأخذت عيسى عليه السلام سنة من النوم فرفع إلى السماء وهو كذلك كما قال الله تعالى " إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي " الآية فلما رفع خرج أولئك النفر فلما رأى أولئك ذلك الشاب ظنوا أنه عيسى فأخذوه في الليل وصلبوه ووضعوا الشوك على رأسه وأظهر اليهود أنهم سعوا في صلبه وتبجحوا بذلك وسلم لهم طوائف من النصارى ذلك لجهلهم وقلة عقلهم ما عدا من كان في البيت مع المسيح فإنهم شاهدوا رفعه. وأما الباقون فإنهم ظنوا كما ظن اليهود أن المصلوب هو المسيح ابن مريم حتى ذكروا أن مريم جلست تحت ذلك المصلوب وبكت ويقال إنه خاطبها والله أعلم وهذا كله من امتحان الله عباده لما له في ذلك من الحكمة البالغة وقد أوضح الله الامر وجلاه وبينه وأظهره في القرآن العظيم الذي أنزله على رسوله الكريم المؤيد بالمعجزات والبينات والدلائل الواضحات فقال تعالى وهو أصدق القائلين ورب العالمين المطلع على السرائر والضمائر الذي يعلم السر في السماوات والأرض العالم بما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون " وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم " أي رأوا شبهه فظنوه إياه ولهذا قال " وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن " يعني بذلك من ادعى أنه قتله من اليهود ومن سلمه إليهم من جهال النصارى كلهم في شك من ذلك وحيرة وضلال وسعر ولهذا قال: " وما قتلوه يقينا " أي وما قتلوه متيقنين أنه هو بل شاكين متوهمين " بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا " أي منيع الجناب لا يرام جنابه ولا يضام من لاذ ببابه " حكيما " أي في جميع ما يقدره ويقضيه من الأمور التي يخلقها وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة والسلطان العظيم والامر القديم قال ابن
(٥٨٧)