الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما (130) يقول تعالى مخبرا ومشرعا من حال الزوجين تارة في حال نفور الرجل عن المرأة وتارة في حال اتفاقه معها وتارة في حال فراقه لها فالحالة الأولى ما إذا خافت المرأة من زوجها أن ينفر عنها أو يعرض عنها فلها أن تسقط عنه حقها أو بعضه من نفقة أو كسوة أو مبيت أو غير ذلك من حقوقها عليه وله أن يقبل ذلك منها فلا حرج عليها في بذلها ذلك له ولا عليه في قبوله منها ولهذا قال تعالى " فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهم صلحا " ثم قال " والصلح خير " أي من الفراق وقوله " وأحضرت الأنفس الشح " أي الصلح عند المشاحة خير من الفراق ولهذا لما كبرت سودة بنت زمعة عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على فراقها فصالحته على أن يمسكها وتترك يومها لعائشة فقبل ذلك منها وأبقاها على ذلك " ذكر الرواية بذلك " قال أبو داود الطيالسي: حدثنا سليمان بن معاذ عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال: خشيت سودة أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله لا تطلقني واجعل يومي لعائشة ففعل ونزلت هذه الآية " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما " الآية قال ابن عباس: فما اصطلحا عليه من شئ فهو جائز ورواه الترمذي عن محمد بن المثنى عن أبي داود الطيالسي به وقال حسن غريب وقال الشافعي أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى عن تسع نسوة وكان يقسم لثمان. وفي الصحيحين من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: لما كبرت سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لها بيوم سودة وفي صحيح البخاري من حديث الزهري عن عروة عن عائشة نحوه وقال سعيد بن منصور أنبأنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام عن أبيه عروة قال: لما أنزل الله في سودة وأشباهها " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا " وذلك أن سودة كانت امرأة قد أسنت ففرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وضنت بمكانها منه وعرفت من حب رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة ومنزلتها منه فوهبت يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البيهقي وقد رواه أحمد بن يونس عن الحسن بن أبي الزناد موصولا وهذه الطريقة رواها الحاكم في مستدركه فقال: حدثنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه أخبرنا الحسن بن علي بن زياد حدثنا أحمد بن يونس حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت له: يا ابن أخي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في مكثه عندنا وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى من هو يومها فيبيت عندها ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله يومى هذا لعائشة فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت عائشة ففي ذلك أنزل الله " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا " وكذلك رواه أبو داود عن أحمد بن يونس به والحاكم في مستدركه ثم قال صحيح الاسناد ولم يخرجاه. وقد رواه ابن مردويه من طريق أبى بلال الأشعري عن عبد الرحمن بن أبي الزناد به نحوه ومن رواية عبد العزيز عن محمد الدراوردي عن هشام بن عروة بنحوه مختصرا والله أعلم. وقال أبو العباس محمد بن عبد الرحمن الدعولي في أول معجمه: حدثنا محمد بن يحيى حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام الدستوائي حدثنا القاسم بن أبي برة قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى سودة بنت زمعة بطلاقها فلما أن أتاها جلست له على طريق عائشة فلما رأته قالت له: أنشدك بالذي أنزل عليك كلامه واصطفاك على خلقه لما راجعتني فإني قد كبرت ولا حاجة لي في الرجال. لكن أريد أن أبعث مع نسائك يوم القيامة فراجعها فقالت: فإني جعلت يومي وليلتي لحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا غريب مرسل. وقال البخاري: حدثنا محمد بن مقاتل أنبأنا عبد الله أنبأنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا " قال الرجل تكون عنده المرأة المسنة ليس بمستكثر منها يريد أن يفارقها فتقول: أجعلك من شأني في حل فنزلت هذه الآية. وقال ابن جرير: حدثنا وكيع حدثنا أبي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير " قالت هذا في المرأة تكون عند
(٥٧٥)