يشاقق الرسول من بعدما تبين له الهدى " أي ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم فصار في شق والشرع في شق وذلك عن عمد منه بعدما ظهر له الحق وتبين له واتضح له وقوله " ويتبع غير سبيل المؤمنين " هذا ملازم للصفة الأولى ولكن قد تكون المخالفة لنص الشارع وقد تكون لما اجتمعت عليه الأمة المحمدية فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقا فإنه قد ضمنت لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ تشريفا لهم وتعظيما لنبيهم وقد وردت أحاديث صحيحة كثيرة في ذلك قد ذكرنا منها طرفا صالحا في كتاب أحاديث الأصول ومن العلماء من ادعى تواتر معناها والذي عول عليه الشافعي رحمه الله في الاحتجاج على كون الاجماع حجة تحرم مخالفته هذه الآية الكريمة بعد التروي والفكر الطويل وهو من أحسن الاستنباطات وأقواها وإن كان بعضهم قد استشكل ذلك فاستبعد الدلالة منها على ذلك ولهذا توعد تعالى على ذلك بقوله " نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا " أي إذا سلك هذه الطريق جازيناه على ذلك بأن نحسنها في صدره ونزينها له استدراجا له كما قال تعالى " فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون " وقال تعالى " فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم " وقوله " ونذرهم في طغيانهم يعمهون " وجعل النار مصيره في الآخرة لان من خرج عن الهدى لم يكن له طريق إلا إلى النار يوم القيامة كما قال تعالى " احشروا الذين ظلموا وأزواجهم " الآية وقال تعالى " ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا ".
إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيد (116) إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا (117) لعنه الله وقال لأتخدن من عبادك نصيبا مفروضا (118) ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الانعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا (119) يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا (120) أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا (121) والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا (122) قد تقدم الكلام على هذه الآية الكريمة وهي قوله " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك " الآية وذكرنا ما يتعلق بها من الأحاديث في صدر هذه السورة وقد روى الترمذي: حدثنا ثوير بن أبي فاختة سعيد بن علاقة عن أبيه عن علي رضي الله عنه أنه قال: ما في القرآن آية أحب إلي من هذه الآية " إن الله لا يغفر أن يشرك به " الآية ثم قال هذا حسن غريب وقوله " ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا " أي فقد سلك غير الطريق الحق وضل عن الهدى وبعد عن الصواب وأهلك نفسه وخسرها في الدنيا والآخرة وفاتته سعادة الدنيا والآخرة وقوله " إن يدعون من دونه إلا إناثا " قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا محمود بن غيلان أنبأنا الفضل بن موسى أخبرنا الحسن بن واقد عن الربيع ابن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب قال: مع كل صنم جنية. وحدثنا أبي حدثنا محمد بن سلمة الباهلي عن عبد العزيز بن محمد عن هشام يعني ابن عروة عن أبيه عن عائشة " إن يدعون من دونه إلا إناثا " قالت: أوثانا. وروى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعروة بن الزبير ومجاهد وأبي مالك والسدي ومقاتل نحو ذلك وقال ابن جرير عن الضحاك في الآية:
قال المشركون للملائكة بنات الله وإنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى قال فاتخذوهن أربابا وصوروهن جواري فحكموا وقلدوا وقالوا هؤلاء يشبهن بنات الله الذي نعبده يعنون الملائكة وهذا التفسير شبيه بقول الله تعالى " أفرأيتم